فصل: كِتَابُ الدَّعْوَى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ عَزْلِ الْوَكِيلِ:

وَجْهُ تَأْخِيرِهِ ظَاهِرٌ (لِلْمُوَكِّلِ عَزْلُ وَكِيلِهِ) عَنْ الْوَكَالَةِ؛ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَلَهُ أَنْ يُبْطِلَهُ (إلَّا إذَا تَعَلَّقَ بِهِ) أَيْ بِالتَّوْكِيلِ (حَقُّ الْغَيْرِ كَوَكِيلِ الْخُصُومَةِ بِطَلَبِ الْخَصْمِ) فَلَا يَمْلِكُ عَزْلَهُ فَيَصِيرُ كَالْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ وَمَالِ الْوَقْفِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَلَّقَ وَكَالَتُهُ بِالشَّرْطِ ثُمَّ عَزْلَهُ قَبْلَ وُجُودِهِ صَحَّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِلَى أَنَّهُ بَطَلَ تَعْلِيقُ الْعَزْلِ بِالشَّرْطِ (وَيَتَوَقَّفُ انْعِزَالُهُ) أَيْ انْعِزَالُ الْوَكِيلِ (عَلَى عِلْمِهِ) أَيْ عِلْمِ الْوَكِيلِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَتَصَرُّفُهُ) أَيْ تَصَرُّفُ الْوَكِيلِ (قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِانْعِزَالِهِ (صَحِيحٌ)؛ لِأَنَّ فِي انْعِزَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ إضْرَارًا بِهِ إذْ رُبَّمَا يَتَصَرَّفُ عَلَى أَنَّهُ وَكِيلٌ فَتَلْحَقُهُ الْعُهْدَةُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْوَكِيلُ نَفْسَهُ لَا يَجُوزُ بِدُونِ عِلْمِ الْمُوَكِّلِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَنْعَزِلُ الْوَكِيلُ بِلَا عِلْمٍ مِنْهُ إلَّا فِي قَوْلٍ عَنْهُمْ وَلَوْ جَحَدَ الْمُوَكِّلُ الْوَكَالَةَ فَقَالَ: لَمْ أُوَكِّلْك لَا يَكُونُ عَزْلًا إلَّا أَنْ يَقُولَ وَاَللَّهِ لَا أُوَكِّلُك بِشَيْءٍ وَيَثْبُتُ الْعَزْلُ مِنْ الْوَكَالَةِ بِمُشَافَهَةٍ كَقَوْلِهِ عَزَلْتُك وَأَخْرَجْتُك عَنْ الْوَكَالَةِ وَبِكِتَابَتِهِ وَإِرْسَالِهِ رَسُولًا عَدْلًا أَوْ غَيْرِ عَدْلٍ حُرًّا أَوْ عَبْدًا صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إذَا قَالَ الرَّسُولُ الْمُوَكِّلُ أَرْسَلَنِي إلَيْك لِأُبْلِغَك عَزْلَهُ إيَّاكَ عَنْ وَكَالَتِهِ وَلَوْ أَخْبَرَهُ فُضُولِيٌّ بِالْعَزْلِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَحَدِ شَرْطَيْ الشَّهَادَةِ إمَّا الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ.
وَفِي الدُّرَرِ قَالَ وَكَّلْتُك بِكَذَا عَلَى أَنِّي مَتَى عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي فَإِنَّهُ إذَا عَزَلَهُ لَمْ يَنْعَزِلْ بَلْ كَانَ وَكِيلًا لَهُ وَهَذَا يُسَمَّى وَكِيلًا دَوْرِيًّا وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ بِحَيْثُ يَخْرُجُ عَنْ الْوَكَالَةِ يَقُولُ فِي عَزْلِهِ عَزَلْتُك ثُمَّ عَزَلْتُك فَإِنَّهُ يَنْعَزِلُ وَلَوْ قَالَ: كُلَّمَا عَزَلْتُك فَأَنْتَ وَكِيلِي لَا يَكُونُ مَعْزُولًا بَلْ كُلَّمَا عُزِلَ كَانَ وَكِيلًا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْزِلَهُ يَقُولُ رَجَعْت عَنْ الْوَكَالَةِ الْمُعَلَّقَةِ وَعَزَلْتُك عَنْ الْمُنَجَّزَةِ فَحِينَئِذٍ يَنْعَزِلُ؛ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ لَازِمًا يَصْلُحُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَالْوَكَالَةُ مِنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ الدَّيْنِ مَلَكَ عَزْلَهُ إنْ بِغَيْرِ حَضْرَةِ الْمَدْيُونِ وَإِنْ وَكَّلَهُ بِحَضْرَتِهِ لَا إلَّا إذَا عَلِمَ بِهِ الْمَدْيُونُ فَلَوْ دَفَعَ الْمَدْيُونُ دَيْنَهُ إلَى الْوَكِيلِ قَبْلَ عِلْمِهِ بِعَزْلِهِ يَبْرَأُ (وَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ)، هَذَا أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ صَاحِبُ الدُّرَرِ وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِذِكْرِ الْوَكِيلِ هُنَا فَائِدَةٌ تَرَكْته لَكِنْ يُمْكِنُ أَنَّ الْوَكِيلَ لَوْ مَاتَ فَحَقُّ الرَّدِّ بِالْعَيْبِ لِوَارِثِهِ أَوْ وَصِيِّهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَلِلْمُوَكِّلِ فِي رِوَايَةٍ وَلِوَصِيِّ الْقَاضِي فِي أُخْرَى كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَفِيهِ فَائِدَةٌ (وَجُنُونِهِ) أَيْ جُنُونِ الْمُوَكِّلِ وَكَذَا جُنُونُ الْوَكِيلِ (مُطْبِقًا) أَيْ مُسْتَوْعِبًا (وَحَدُّهُ) أَيْ حَدُّ الْمُطْبِقِ (شَهْرٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي قَوْلِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ (وَحَوْلٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَكَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فِي قَوْلٍ (وَهُوَ الْمُخْتَارُ)؛ لِأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعَادَاتِ حَتَّى الزَّكَاةِ فَقُدِّرَ بِهِ احْتِيَاطًا.
(وَ) تَبْطُلُ (بِلَحَاقِهِ) أَيْ لَحَاقِ الْمُوَكِّلِ (بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمُرْتَدِّ مَوْقُوفَةٌ عِنْدَهُ فَكَذَا وَكَالَتُهُ وَإِنْ قَتَلَ أَوْ لَحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ الْوَكَالَةُ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّ تَصَرُّفَاتِهِ نَافِذَةٌ عِنْدَهُمَا إلَّا أَنْ يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ يُحْكَمَ بِلَحَاقِهِ حَتَّى يَسْتَقِرَّ أَمْرُ اللَّحَاقِ فَلَوْ عَادَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ مُسْلِمًا وَلَمْ يُحْكَمْ بِلَحَاقِهِ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَهُمْ وَإِنْ حُكِمَ ثُمَّ عَادَ تَعُودُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَفِي الْمِنَحِ فَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُتُونِ أَنَّ كُلَّ وَكَالَةٍ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَسَائِلَ مِنْ هَذَا الْأَصْلِ فَقَالَ إلَّا إذَا وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ أَوْ الْمُرْتَهِنَ بِبَيْعِ الْمُرْتَهَنِ عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ فَلَا يَنْعَزِلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ وَجُنُونِهِ كَالْوَكِيلِ بِالْأَمْرِ بِالْيَدِ وَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْوَفَاءِ وَتَمَامِهِ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَكَذَا) تَبْطُلُ وَكَالَتُهُ (بِعَجْزِ مُوَكِّلِهِ) حَالَ كَوْنِ الْمُوَكِّلِ (مُكَاتَبًا) أَيْ إذَا وَكَّلَ مُكَاتَبٌ وَكِيلًا بِالْبَيْعِ مَثَلًا ثُمَّ صَارَ رَقِيقًا بِعَجْزِهِ عَنْ أَدَاءِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَطَلَ وَكَالَةُ وَكِيلِهِ؛ لِأَنَّهُ وَقَعَ تَصَرُّفُهُ فِي مَالِ الْغَيْرِ بِلَا أَمْرِهِ (وَحَجْرُهُ) أَيْ حَجْرُ الْمُوَكِّلِ حَالَ كَوْنِهِ عَبْدًا (مَأْذُونًا) وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ؛ لِأَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْعِلْمِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا بَاعَهُ مُوَكِّلَهُ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا فَصَلَ بِكَذَا لِلتَّنْبِيهِ عَلَى الْعَامِلِ الْبَعِيدِ لَا لِمَا ظَنَّ أَنَّ فِي مَا بَعْدَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ عِلْمَ الْوَكِيلِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ الْمُكَاتَبَ أَوْ الْمَأْذُونَ إذَا وَكَّلَ رَجُلًا بِالتَّقَاضِي أَوْ الْخُصُومَةِ لَمْ تَبْطُلْ وَكَالَتُهُ بِالْعَجْزِ أَوْ الْحِجْرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ (وَ) تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُوَكِّلْ صَرِيحًا مِنْ الشَّرِيكَيْنِ بِسَبَبِ (افْتِرَاقِ)، هَذَيْنِ (الشَّرِيكَيْنِ) عَنْ الشَّرِكَةِ أَيْ يَثْبُتُ عَزْلُ الْوَكِيلِ بِافْتِرَاقِهِمَا وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِ الْوَكِيلِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ عَزْلٌ حُكْمِيٌّ وَالْعِلْمُ شَرْطٌ لِلْعَزْلِ الْحَقِيقِيِّ وَإِطْلَاقُهُ شَامِلٌ مَا إذَا افْتَرَقَا بِبُطْلَانِ الشَّرِكَةِ بِهَلَاكِ الْمَالَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ الضِّمْنِيَّةُ، وَأَمَّا إذَا وَكَّلَ الشَّرِيكَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا وَكِيلًا لِلتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ فَلَوْ افْتَرَقَا انْعَزَلَ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمُوَكِّلِ مِنْهُمَا إذَا لَمْ يُصَرِّحَا بِالْإِذْنِ فِي التَّوْكِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُطَالَعْ (وَتَصَرُّفِ) هُوَ بِالْجَرِّ أَيْ وَكَذَا تَبْطُلُ الْوَكَالَةُ بِتَصَرُّفِ (الْمُوَكَّلِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ) تَصَرُّفًا يَعْجِزُ الْوَكِيلُ عَنْ الِامْتِثَالِ بِهِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِإِعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ كِتَابَتِهِ أَوْ تَزْوِيجِ امْرَأَةٍ أَوْ شِرَاءِ شَيْءٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ بَيْعِ عَبْدٍ فَأَعْتَقَ أَوْ كَاتَبَ أَوْ زَوَّجَ أَوْ طَلَّقَ ثَلَاثًا أَوْ وَاحِدَةً وَمَضَتْ عِدَّتُهَا أَوْ خَالَعَهَا أَوْ بَاعَ بِنَفْسِهِ، فَإِنَّ الْمُوَكِّلَ لَوْ فَعَلَ وَاحِدًا مِنْهَا بِنَفْسِهِ لَعَجَزَ الْوَكِيلُ عَنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ فَتَبْطُلُ الْوَكَالَةُ ضَرُورَةً حَتَّى أَنَّ الْمُوَكِّلَ إذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً وَالْعِدَّةُ قَائِمَةٌ بَقِيَتْ الْوَكَالَةُ لِإِمْكَانِ تَنْفِيذِ مَا وُكِّلَ بِهِ وَلَوْ تَزَوَّجَهَا بِنَفْسِهِ وَأَبَانَهَا لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ أَنْ يُزَوِّجَهَا مِنْهُ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ تَزَوَّجَهَا الْوَكِيلُ وَأَبَانَهَا حَيْثُ يَكُونُ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ الْمُوَكِّلَ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ بَاقِيَةٌ كَمَا فِي الدُّرَرِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَتَعُودُ الْوَكَالَةُ إذَا عَادَ إلَى الْمُوَكِّلِ قَدِيمُ مِلْكِهِ فَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ فَبَاعَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رُدَّ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ فَسْخٌ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ وَإِنْ رُدَّ بِمَا يَكُونُ فَسْخًا لَا تَعُودُ الْوَكَالَةُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ فِي هِبَةِ شَيْءٍ ثُمَّ وَهَبَهُ الْمُوَكِّلُ ثُمَّ رَجَعَ فِي هِبَتِهِ لَمْ يَكُنْ لِلْوَكِيلِ الْهِبَةُ وَلَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمُوَكِّلُ أَوْ آجَرَهُ فَسَلَّمَهُ فَهُوَ عَلَى وَكَالَتِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَوْ وَكَّلَهُ أَنْ يُؤَاجِرَ دَارِهِ ثُمَّ آجَرَهَا الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ ثُمَّ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ يَعُودُ عَلَى وَكَالَتِهِ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ وَكَّلَهُ بِبَيْعِ دَارِهِ ثُمَّ بَنَى فِيهَا فَهُوَ رُجُوعٌ عَنْهَا عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لَا التَّخْصِيصِ، وَالْوَصِيَّةُ بِمَنْزِلَةِ الْوَكَالَةِ أَوْ بَقِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ فَإِنَّ تَصَرُّفَ الْوَكِيلِ غَيْرُ مُعْتَذِرٍ بِأَنْ يُوقِعَ الثَّانِيَ فِي الْعِدَّةِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ انْتَهَى.
لَكِنْ فِي قَوْلِهِ أَوْ بَقِيَ شَيْئَانِ الْأَوَّلُ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَادَ، وَهُوَ ظَرْفٌ لِلْعَوْدِ وَلَا عَوْدَ فِي صُورَةِ بَقَاءِ الْأَثَرِ وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُ التَّكْرَارُ بِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِ وَبِتَصَرُّفِهِ بِنَفْسِهِ كَمَا لَوْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ إلَى آخِرِهِ تَدَبَّرْ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَوْتِ وَمَا بَعْدَهُ) مِنْ الْجُنُونِ وَاللَّحَاقِ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْعَجْزِ وَافْتِرَاقِ الشَّرِيكَيْنِ وَتَصَرُّفِ الْمُوَكِّلِ فِيمَا وُكِّلَ بِهِ (عِلْمُ الْوَكِيلِ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعِلْمَ شَرْطٌ لِلْعَزْلِ الْقَصْدِيُّ لَا لِلْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ قَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا: وَهُنَا كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ فِي الْكَافِي مَسْأَلَةٌ تَدُلُّ عَلَى اشْتِرَاطِ الْعِلْمِ فِي الْعَزْلِ الْحُكْمِيِّ أَيْضًا وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ.

.كِتَابُ الدَّعْوَى:

لَمَّا كَانَتْ الْوَكَالَةُ بِالْخُصُومَةِ لِأَجْلِ الدَّعْوَى ذَكَرَ الدَّعْوَى عَقِيبَ الْوَكَالَةِ هِيَ وَاحِدَةُ الدَّعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ الْفَتْحُ أَوْلَى وَبَعْضُهُمْ الْكَسْرُ أَوْلَى وَمِنْهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا.
وَفِي الْكَافِي يُقَالُ ادَّعَى زَيْدٌ عَلَى عَمْرٍو مَالًا فَزَيْدٌ الْمُدَّعِي وَعَمْرٌو الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْمَالُ الْمُدَّعَى.
وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ وَالْمَصْدَرُ الِادِّعَاءُ افْتِعَالٌ مِنْ دَعَا وَالدَّعْوَى عَلَى وَزْنِ فَعْلَى اسْمٌ مِنْهُ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا يُنَوَّنُ يُقَالُ دَعْوَى بَاطِلَةٌ أَوْ صَحِيحَةٌ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرُ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَالدَّعْوَى فِي الْحَرْبِ أَنْ يَقُولَ النَّاسُ بِالْفُلَانِ انْتَهَى.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (هِيَ) أَيْ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَ الْمُسَالَمَةِ أَوْ الْمُنَازَعَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ ادَّعَى إذَا أَضَافَ الشَّيْءَ إلَى نَفْسِهِ بِأَنْ قَالَ لِي وَمِنْهُ دَعْوَى الْوَلَدِ.
وَفِي الشَّرْعِ يُرَادُ بِهِ إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ حَالَةَ الْمُنَازَعَةِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقِيلَ هِيَ فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ.
وَفِي الشَّرْعِ مَا اخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ تَبَعًا لِلْوِقَايَةِ بِقَوْلِهِ (إخْبَارٌ) عِنْدَ الْقَاضِي أَوْ الْحُكْمُ فَإِنَّهُ شَرْطٌ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (بِحَقٍّ) مَعْلُومٍ فَإِنَّهُ شَرْطٌ (لَهُ) أَيْ لِلْمُخْبِرِ (عَلَى غَيْرِهِ) أَيْ عَلَى غَيْرِ الْمُخْبِرِ الْحَاضِرِ لِمَا فِي التَّنْوِيرِ وَغَيْرِهِ وَشَرْطُهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي وَحُضُورُ خَصْمٍ وَمَعْلُومِيَّةُ الْمُدَّعِي وَكَوْنُهَا مُلْزِمَةٌ وَكَوْنُ الْمُدَّعَى مِمَّا يَحْتَمِلُ الثُّبُوتَ فَدَعْوَى مَا يَسْتَحِيلُ وُجُودُهُ بَاطِلَةٌ انْتَهَى.
فَعَلَى هَذَا إطْلَاقُ الْمُصَنِّفِ لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ إلَّا أَنْ يُقَالَ عَدَمُ تَقْيِيدِهِ بِالْحُضُورِ لِكَوْنِ حُضُورِ مَجْلِسِ الْقَاضِي مَأْخُوذًا فِي مَفْهُومِ الدَّعْوَى وَهِيَ مُطَالَبَةُ حَقٍّ عِنْدَ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ وَلِئَلَّا يَخْرُجَ عَنْ التَّعْرِيفِ بِلَا تَكَلُّفِ الدَّعْوَى الصَّادِرَةِ عَنْ صَاحِبِ كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي الْكَاتِبِ فَإِنَّهُ دَعْوَى صَحِيحَةٌ حَتَّى يَكْتُبَ فِي الْكِتَابِ غِبَّ الِاسْتِشْهَادِ؛ بِالدَّعْوَى الصَّحِيحَةِ الصَّادِرَةِ إلَى آخِرِهِ مَعَ أَنَّهُ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِحَاضِرٍ وَأَمَّا عَدَمُ تَقْيِيدِهِ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّهُ جَعَلَهُ شَرْطًا وَشَرْطُ الشَّيْءِ خَارِجٌ عَنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ تَأَمَّلْ.
(وَالْمُدَّعِي) شَرْعًا (مِنْ لَا يُجْبَرُ) أَيْ لَا يُكْرَهُ (عَلَى) هَذِهِ (الْخُصُومَةِ) أَيْ الْمُخَاصَمَةِ وَطَلَبِ الْحَقِّ فَلَا يُشْكِلُ بِمَا كَانَ فِيهِ مُخَاصِمًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ كَمَا إذَا قَالَ قَضَيْت الدَّيْنَ بَعْدَ الدَّعْوَى فَإِنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى هَذِهِ الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا (وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ يُجْبَرُ) عَلَى هَذِهِ الْخُصُومَةِ وَالْجَوَابِ لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا مَعْنًى وَلَوْ مُدَّعِيًا صُورَةً وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ: الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُنْكِرُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ الِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي فَلَا يُشْكِلُ بِوَصِيِّ الْيَتِيمِ فَإِنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ مَعْنًى فِيمَا إذَا أَجْبَرَ الْقَاضِي عَلَى الْخُصُومَةِ لِلْيَتِيمِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَإِنَّمَا عَرَّفَهُمَا بِذَلِكَ وَعَدْلَ عَمَّا يَقْتَضِي التَّعْرِيفُ إشَارَةً إلَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِيهِمَا فَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافُهُ وَهَذَا حَاصِلُ مَا ذُكِرَ فِي، هَذَا الْمَتْنِ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ: وَالتَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ كَانَ عَامًا صَحِيحًا كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّهُ تَعْرِيفٌ لَهُ بِمَا هُوَ حُكْمُهُ انْتَهَى وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا حُجَّةَ لَهُ عَلَيْهِ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ خِلَافُ هَذَا وَلِذَا يُقَالُ لِمُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ مُدَّعِي النُّبُوَّةَ وَلَا يُقَالُ لِرَسُولِنَا عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَقِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا بِبَيِّنَةٍ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَكُونُ مُسْتَحِقًّا بِلَا حُجَّةٍ إذْ بِقَوْلِهِ هُوَ لِي يَكُونُ لَهُ عَلَى مَا كَانَ مَا لَمْ يُثْبِتْ الْمُدَّعِي اسْتِحْقَاقَهُ قِيلَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَهُوَ الْأَمْرُ الْحَادِثُ وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ كَالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ انْتَهَى.
إذْ لَا يَعْرِضُ عَلَى مَنْ لَهُ الْيَدُ حَقَّ الْمُدَّعِي بِمُجَرَّدِ دَعْوَاهُ كَمَا لَا يَعْرِضُ الْوُجُودَ عَلَى الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ فَلَمْ يَلْزَمْ عَلَيْهِ مَا قَالَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ الْمُدَّعِي مَنْ يَلْتَمِسُ خِلَافَ الظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَمْرًا حَادِثًا وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ مَنْ يَتَمَسَّكُ بِالظَّاهِرِ وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَدَمًا أَصْلِيًّا انْتَهَى لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ الْحَادِثِ كَوْنُهُ مُحْتَاجًا إلَى الدَّلِيلِ فِي ظُهُورِهِ وَوُجُودِهِ وَبِالْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ عَدَمُ كَوْنِهِ مُحْتَاجًا إلَيْهِ أَصْلًا فَالْمُودَعُ الَّذِي يَدَّعِي رَدَّ الْوَدِيعَةِ إلَى الْمُودِعِ لَا يَكُونُ مُدَّعِيًا حَقِيقَةً وَكَذَا لَا يَكُونُ الْمُودِعُ بِإِنْكَارِهِ الرَّدَّ مُنْكِرًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ بِإِنْكَارِهِ يَدَّعِي شَغْلَ ذِمَّةِ الْمُودِعِ مَعْنًى وَكَذَا الْمُودَعُ بِادِّعَائِهِ الرَّدَّ يُنْكِرُ الشَّغْلَ مَعْنًى لِيُفْرِغَ ذِمَّتَهُ عَنْ الضَّمَانِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ فِيمَا أَنْكَرَهُ مَعْنًى مِنْ الضَّمَانِ لِكَوْنِهِ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيُصَدَّقُ قَوْلُهُ مَعَ الْيَمِينِ إذْ الِاعْتِبَارُ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ لِابْنِ الشَّيْخِ (وَلَا تَصِحّ الدَّعْوَى إلَّا بِذِكْرِ شَيْءٍ) أَيْ قَوْلِ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ (عُلِمَ جِنْسُهُ) أَيْ جِنْسُ ذَلِكَ الدَّيْنِ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْحِنْطَةِ وَغَيْرِهَا (وَقَدْرُهُ) مِثْلَ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ كُرًّا قِيلَ لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ ذِكْرِهِ وَصْفَهُ بِأَنَّهُ جَيِّدٌ أَوْ رَدِيءٌ فِي دَعْوَى الدَّيْنِ إذْ هُوَ يُعْرَفُ بِهِ؛ لِأَنَّ إلْزَامَ الْخَصْمِ بِالْمَجْهُولِ عِنْدَ قِيَامِ الْبُرْهَانِ مُتَعَذِّرٌ وَكَذَا الشَّهَادَةُ وَالْقَضَاءُ غَيْرُ مُمْكِنٍ بِخِلَافِ الْعَيْنِ كَمَا سَيَجِيءُ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَتَبَ صُورَةَ الدَّعْوَى بِلَا عَجْزٍ عَنْ تَقْرِيرِهَا لَا تُسْمَعُ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ الدَّعْوَى عَنْ ظَهْرِ الْقَلْبِ فَكَتَبَ فَتُسْمَعُ كَمَا فِي الْخِزَانَةِ (فَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعَى (دَيْنًا) أَيْ حَقًّا فِي الذِّمَّةِ (ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (أَنَّهُ يُطَالِبُهُ بِهِ) أَيْ أَنَّ الْمُدَّعِيَ يُطَالِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّيْنِ؛ لِأَنَّ فَائِدَةَ الدَّعْوَى إجْبَارُ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إيفَاءِ حَقِّ الْمُدَّعِي وَلَيْسَ لِلْقَاضِي ذَلِكَ إلَّا إذَا طَالَبَهُ بِهِ فَامْتَنَعَ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمُدَّعَى عَيْنًا (نَقْلِيًّا) أَيْ مَنْقُولًا (ذَكَرَ) الْمُدَّعِي (أَنَّهَا) أَيْ الْعَيْنَ (فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) دَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا أَوْ مَحْبُوسًا بِالثَّمَنِ فِي يَدِهِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْتَمِلُ الْعَقَارَ أَيْضًا فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمَنْقُولِ بِهَذَا الْحُكْمِ.
وَفِي حَاشِيَةِ يَعْقُوبَ بَاشَا جَوَابٌ عَنْ طَرَفِ صَاحِبِ الدُّرَرِ وَاعْتِرَاضٌ عَلَيْهِ فَلْيُطَالَعْ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْمُدَّعِيَ (يُطَالِبُهُ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (بِهَا) أَيْ بِالْعَيْنِ (وَلَا بُدَّ مِنْ إحْضَارِهَا) أَيْ يُكَلَّفُ إحْضَارَ الْعَيْنِ مَنْقُولَةً (إنْ أَمْكَنَ) الْإِحْضَارُ (لِيُشَارَ إلَيْهَا) إي إلَى الْعَيْنِ (عِنْدَ الدَّعْوَى، وَ) عِنْدَ (الشَّهَادَةِ أَوْ الْحَلِفِ)؛ لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ، وَذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِي الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ النَّقْلَ مُمْكِنٌ وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ فِي التَّعْرِيفِ حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى وَنَحْوِهِ حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ عَلَى رِوَايَةٍ وَإِلَّا فَقَوْلُهُ وَإِنْ تَعَذَّرَ يَذْكُرُ قِيمَتَهَا يُغْنِي عَنْهُ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْمُجْتَبَى مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ فِي مَسْأَلَةِ الشَّاهِدَيْنِ إذَا شَهِدَا عَلَى سَرِقَةِ بَقَرَةٍ وَاخْتَلَفَا فِي لَوْنِهَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ خِلَافًا لَهُمَا ثُمَّ قَالَ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إحْضَارَ الْمَنْقُولِ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى، وَلَوْ شَرَطَ لَأُحْضِرَتْ وَلَمَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ عِنْدَ الْمُشَاهَدَةِ فِي لَوْنِهَا ثُمَّ قَالَ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ لَكِنْ لَيْسَ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ غَائِبَةً لَا يُشْتَرَطُ إحْضَارُهَا وَالْقِيمَةُ كَافِيَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَإِنْ تَعَذَّرَ) أَيْ تَعَذَّرَ إحْضَارُ الْمَنْقُولَاتِ بِأَنْ كَانَتْ هَالِكَةً أَوْ غَائِبَةً (يَذْكُرُ قِيمَتَهَا) لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا بِهَا؛ لِأَنَّ الْغَائِبَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالْوَصْفِ وَالْقِيمَةِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يُشْتَرَطُ مَعَ بَيَانِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ أَوْ الْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ، هَذَا إذَا ادَّعَى الْعَيْنَ أَمَّا إذَا ادَّعَى قِيمَةَ شَيْءٍ مُسْتَهْلَكٍ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِهِ وَنَوْعِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي بَيَانِ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ فِي الدَّابَّةِ قَالَ الْعِمَادِيُّ ادَّعَى أَعْيَانًا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ شَرَطَ التَّفْصِيلَ وَبَعْضُهُمْ اكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ غَصَبَ مِنِّي عَيْنًا كَذَا وَلَا أَدْرِي أَنَّهُ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ الْقِيمَةِ لَتَضَرَّرَ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي فَإِنْ عَجَزَ عَنْ رَدِّهَا كَانَ الْقَوْلُ فِي مِقْدَارِ الْقِيمَةِ قَوْلُ الْغَاصِبِ فَلَمَّا صَحَّ دَعْوَى الْغَصْبِ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْقِيمَةِ فَلَا يَصِحُّ إذَا بَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً كَانَ أَوْلَى.
وَفِي التَّبْيِينِ فَإِذَا سَقَطَ بَيَانُ الْقِيمَةِ عَنْ الْمُدَّعِي سَقَطَ عَنْ الشُّهُودِ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى وَقِيلَ يُشْتَرَطُ ذِكْرُ الْقِيمَةِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى سَرِقَةً لَيَعْلَمَ أَنَّ السَّرِقَةَ كَانَتْ نِصَابًا فَأَمَّا فِيمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَا يُشْتَرَطُ كَمَا فِي الْجَامِعِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَفِي دَعْوَى الْإِيدَاعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَكَانِهِ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حَمْلٌ أَوْ لَا وَفِي الْغَصْبِ إنْ كَانَ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْغَصْبِ وَإِلَّا لَا وَفِي دَعْوَى الْمِثْلِيَّاتِ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَالْقَدْرِ وَسَبَبِ الْوُجُودِ (وَفِي الْعَقَارِ لَا يَحْتَاجُ إلَى قَوْلِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ) كَمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْمَنْقُولِ، وَلَكِنْ يَذْكُرُ أَنَّ الْعَقَارَ فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَكُونُ خَصْمًا إلَّا إذَا كَانَ الْعَقَارُ فِي يَدِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِهِ لَكِنْ سُؤَالُ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بَاقٍ عَلَى مَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا فِي حَاشِيَتِهِ وَيُؤَيِّدُ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ مِنْ قَوْلِهِ وَيَزِيدُهُ فِي الْعَقَارِ أَيْضًا عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْخِزَانَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَ كَثِيرٍ انْتَهَى.
لَكِنْ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي الْفَتْوَى كَمَا سَيَأْتِي تَتَبَّعْ.
(وَلَا تَثْبُتُ الْيَدُ) أَيْ يَدُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقَارِ (بِتَصَادُقِهِمَا) أَيْ لَا تَثْبُتُ بِتَصَادُقِ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى أَنَّهُ فِي يَدِهِ (بَلْ) تَثْبُتُ الْيَدُ فِيهِ (بِبَيِّنَةٍ) بِأَنْ يَشْهَدَ الشُّهُودُ أَنَّهُمْ عَايَنُوا فِي يَدِهِ حَتَّى لَوْ قَالُوا سَمِعْنَا ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ (أَوْ بِعِلْمِ الْقَاضِي) أَنَّهُ فِي يَدِهِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَقَارِ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَقَدْ تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ؛ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْعِلْمِ بَلْ تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا (فِي الصَّحِيحِ) احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ أَنَّ الْيَدَ تَصِحُّ بِالْإِقْرَارِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْبَيِّنَةِ وَلَا إلَى الْعِلْمِ.
وَفِي الْبَحْرِ شَهِدُوا أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَمْ يَقُولُوا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ يُفْتَى بِالْقَبُولِ قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: اخْتَلَفَ فِيهِ الْمَشَايِخُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِهِ لَا يُمْكِنُهُ الْمُطَالَبَةُ بِالتَّسْلِيمِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ وَقِيلَ يُقْضَى فِي الْمَنْقُولِ لَا فِي الْعَقَارِ حَتَّى يَقُولُوا إنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفَتْوَى أَنَّهُ تُقْبَلُ فِي حَقِّ الْقَضَاءِ بِالْمِلْكِ لَا فِي حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِالتَّسْلِيمِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَيْسَ مَا ذُكِرَ مِنْ اشْتِرَاطِ ثُبُوتِ الْيَدِ فِي الْعَقَارِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْعِلْمِ مُطْلَقًا فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ بَلْ إذَا ادَّعَى الْمُدَّعِي مِلْكًا مُطْلَقًا فِي الْعَقَارِ أَمَّا دَعْوَى الْغَصْبِ وَالشِّرَاءِ فَلَا يُشْتَرَطُ ثُبُوتُ الْيَدِ (وَلَا بُدَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْعَقَارِ (مِنْ ذِكْرِ الْبَلَدِ وَالْمَحَلَّةِ) وَفِي الْفُصُولَيْنِ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ لَا بُدَّ أَنْ يَذْكُرَ بَلْدَةً فِيهَا الْعَقَارُ ثُمَّ الْمُحَلَّةَ ثُمَّ السِّكَّةَ اخْتِيَارًا لِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ مَذْهَبَهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالْأَعَمِّ ثُمَّ بِالْأَخَصِّ وَقِيلَ يَبْدَأُ بِالْأَخَصِّ ثُمَّ بِالْأَعَمِّ.
(وَ) لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ (الْحُدُودِ الْأَرْبَعَةِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَأَسْمَاءِ أَصْحَابِهَا) أَيْ أَصْحَابِ الْحُدُودِ (وَنِسْبَتِهِمْ إلَى الْجَدِّ) لِيَتَمَيَّزُوا عَنْ غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ تَمَامَ التَّعْرِيفِ يَحْصُلُ بِهِ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ، هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا (وَفِي الرَّجُلِ الْمَشْهُورِ يَكْتَفِي بِذِكْرِهِ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ (فَإِنْ ذَكَرَ ثَلَاثَةً وَتَرَكَ الرَّابِعَ صَحَّ) وَقَالَ زُفَرُ: لَا؛ لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ عَلَى أَنَّ الطُّولَ يُعْرَفُ بِذِكْرِ الْحَدَّيْنِ وَالْعَرْضِ بِأَحَدِهِمَا وَقَدْ يَكُونُ بِثَلَاثَةٍ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يَكْتَفِي الِاثْنَانِ وَقِيلَ الْوَاحِدُ.
(وَإِنْ ذَكَرَهُ) أَيْ الْحَدَّ الرَّابِعَ (وَغَلَطَ فِيهِ) أَيْ فِي الْحَدِّ الرَّابِعِ (لَا) يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ الْمُدَّعِي وَلَا كَذَلِكَ بِتَرْكِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ الْغَلَطُ بِإِقْرَارِ الشَّاهِدِ أَنِّي غَلِطْت فِيهِ أَمَّا لَوْ ادَّعَاهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ وَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُطَالَعْ (وَإِذَا صَحَّتْ) أَيْ إذَا جَازَتْ وَقَامَتْ دَعْوَى الْمُدَّعِي بِرِعَايَةِ مَا سَبَقَ (سَأَلَ الْقَاضِي الْخَصْمَ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَنْهَا) أَيْ عَنْ دَعْوَاهُ لِيَتَّضِحَ وَجْهُ حُكْمِهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِف الْقَضَاءَ بِالْإِقْرَارِ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَقُولَ خَصْمُك ادَّعَى عَلَيْك كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَقُولُ (فَإِنْ أَقَرَّ) أَيْ الْخَصْمُ (حَكَمَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْخَصْمِ أَنْ يَحْكُمُ الْقَاضِي بِالْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ فِي صِدْقِهِ عَلَى الْحُكْمِ مِنْ الْقَاضِي وَلِذَا قَالَ فِي الْإِصْلَاحِ فَإِنْ أَقَرَّ فَبِهَا وَلَمْ يَقُلْ حَكَمَ.
(وَإِنْ أَنْكَرَ) الْخَصْمُ إنْكَارًا صَرِيحًا أَوْ غَيْرَ صَرِيحٍ كَمَا إذَا قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ فَإِنَّهُ إنْكَارٌ عِنْدَهُمْ وَمَا رُوِيَ أَنَّهُ إقْرَارٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَيُحْبَسُ حَتَّى يَقِرَّ فَغَلَطٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ لَكُمْ قَالَ السَّرَخْسِيُّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُحْبَسُ إلَى أَنْ يُجِيبَ.
وَفِي الْبَحْرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْقَضَاءِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَالْبَزَّازِيَّةِ فَلِذَا أَفْتَيْت بِأَنَّهُ يُحْبَسُ إلَّا أَنْ يُجِيبَ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ.
(سَأَلَ) الْقَاضِي (الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ) فِي دَعْوَاهُ (فَإِنْ أَقَامَهَا) أَيْ إنْ أَقَامَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ يَحْكُمُ الْقَاضِي عَلَى خَصْمِهِ؛ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَهِيَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ أَوْ الْبَيْنِ إذْ بِهَا يَظْهَرُ الْحَقُّ مِنْ الْبَاطِلِ وَيُفْصَلُ بَيْنَهُمَا (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا بَلْ عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا (حَلَّفَ) أَيْ حَلَّفَ الْقَاضِي (الْخَصْمَ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (إنْ طَلَبَهُ خَصْمُهُ) أَيْ طَلَبَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَكَ بَيِّنَةً فَقَالَ: لَا وَقَالَ فَلَكَ يَمِينُهُ فَقَالَ يَحْلِفُ وَلَا يُبَالِي فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَيْسَ لَك إلَّا هَذَا شَاهِدَاك أَوْ يَمِينُهُ» فَصَارَ الْيَمِينُ حَقًّا لِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ قَيَّدَ بِتَحْلِيفِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَوْ حَلَفَ بِطَلَبِ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ بَيْنَ يَدَيْ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافِ الْقَاضِي فَذَا لَيْسَ بِتَحْلِيفٍ؛ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ حَقُّ الْقَاضِي فَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ تُقْبَلُ وَإِلَّا يَحْلِفُ ثَانِيًا عِنْدَ الْقَاضِي فَلَا يَحْلِفُ قَبْلَ طَلَبِهِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَّا فِي مَسَائِلَ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا رَضِيت بِالْعَيْبِ وَالشَّفِيعُ بِاَللَّهِ مَا أَبْطَلْت شُفْعَتَك وَالْمَرْأَةُ إذَا طَلَبَتْ فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْغَائِبِ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا خَلَّفَ لَك زَوْجُك شَيْئًا وَلَا أَعْطَاك النَّفَقَةَ وَالْمُسْتَحِقُّ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِ الْوَصِيِّ وَالْوَارِثِ (فَإِنْ حَلَفَ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (انْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ حَتَّى تَقُومَ الْبَيِّنَةُ) أَيْ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَهُ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ أَقَامَهَا بَعْدَ الْحَلِفِ تُقْبَلُ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ «الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ بِالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ»؛ وَلِأَنَّ طَلَبَ الْيَمِينِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا غَائِبَةٌ أَوْ حَاضِرَةٌ فِي الْبَلَدِ وَلَمْ تَحْضُرْ؛ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ بَدَلُ الْبَيِّنَةِ فَإِذَا قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ بَطَلَ حُكْمُ الْحَلِفِ فَلَا عِبْرَةَ لِمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تُسْمَعُ بَعْدَ الْيَمِينِ كَمَا فِي الدُّرَرِ وَغَيْرِهِ.
(وَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْيَمِينِ (مَرَّةً) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ (أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ) مِنْ خَرَسٍ أَوْ طَرَشٍ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنَّ السُّكُوتَ بِلَا آفَةٍ نُكُولٌ حُكْمُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي السِّرَاجِ (فَقَضَى) أَيْ قَضَى الْقَاضِي لَهُ عَلَيْهِ بِالْمَالِ (بِالنُّكُولِ) أَيْ بِسَبَبِ الِامْتِنَاعِ عَنْهُ (صَحَّ) ذَلِكَ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ دَلَّ كَوْنُهُ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا إذْ لَوْلَا ذَلِكَ لِأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ إقَامَةً لِلْوَاجِبِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَتَرَجَّحَ، هَذَا الْجَانِبُ عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ فِي نُكُولِهِ (وَعَرَضَ الْيَمِينَ) عَلَيْهِ (ثَلَاثًا) أَنْ يَقُولَ لَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْت عَلَيْك بِمَا ادَّعَاهُ (ثُمَّ الْقَضَاءُ) عَلَى تَقْدِيرِ نُكُولِهِ (أَحْوَطُ) لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُبَالَغَةِ فِي الْإِنْظَارِ وَلَا عِبْرَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ بِقَوْلِهِ أَحْلِفُ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ وَيُعْتَبَرُ قَوْلُهُ أَحْلِفُ قُبَيْلَ الْحُكْمِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثًا وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَاتَّصَلَ الْقَضَاءُ بِهِ وَبِدُونِهِ لَا يُوجِبُ شَيْئًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
وَفِي الْمُجْتَبَى يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَقَالَ الْخَصَّافُ: لَا يُشْتَرَطُ حَتَّى لَوْ اسْتَمْهَلَهُ بَعْدَ الْعَرْضِ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً فَلَا بَأْسَ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَمْ أَرَ فِيهِ تَرْجِيحًا.
وَفِي الْبَحْرِ وَأَمَّا الْمَذْهَبُ فَإِنَّهُ لَوْ قَضَى بِالنُّكُولِ بَعْدَ الْعَرْضِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهُوَ الصَّحِيحُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى انْتَهَى.
(وَلَا تُرَدُّ يَمِينٌ عَلَى مُدَّعٍ) إذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَنْ الْيَمِينِ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ تُرَدُّ عَلَيْهِ عِنْدَ نُكُولِهِ فَإِنْ حَلَفَ قَضَى لَهُ وَإِلَّا لَا.
(وَلَا يَقْضِي بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ الْآخِرِ تَرُدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ قَضَى لَهُ وَإِلَّا لَا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَهَذَا الْحَدِيثُ مَشْهُورٌ كَائِنٌ كَالْمُتَوَاتِرِ وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ غَرِيبٌ ضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلَمْ يَقَعْ الْعَمَلُ بِهِ إلَى زَمَانِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِهِ لَا يَنْفُذُ.
(وَلَا يَحْلِفُ فِي نِكَاحٍ) أَيْ نَفْسِ النِّكَاحِ أَوْ الرِّضَى بِهِ أَوْ الْأَمْرِ بِهِ فَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ مِنْ الزَّوْجَيْنِ بِلَا بَيِّنَةَ نِكَاحًا عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ مُنْكِرٌ (وَرَجْعَةٍ) بِأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ الْعِدَّةِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهَا فَإِنْ ادَّعَى الرَّجْعَةَ فِي الْعِدَّةِ يَثْبُتُ بِقَوْلِهِ فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَفَيْءٍ وَإِيلَاءٍ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ لَكِنْ الْأَوْلَى كَمَا فِي سَائِرِ الْمُتُونِ وَفَيْءٍ إيلَاءٍ بِدُونِ الْوَاوِ أَيْ فِي الرُّجُوعِ فِي مُدَّةِ الْإِيلَاءِ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ بَعْدَ مُدَّةِ الْإِيلَاءِ أَنَّهُ فَاءَ وَرَجَعَ إلَيْهَا فِي مُدَّتِهِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ فَإِنْ اخْتَلَفُوا قَبْلَ الْمُدَّةِ ثَبَتَ الْفَيْءُ بِقَوْلِهِ (وَاسْتِيلَادٍ) أَيْ طَلَبُ وَلَدٍ بِأَنْ يَدَّعِيَ أَحَدٌ مِنْ الْأَمَةِ وَالْمَوْلَى أَوْ الزَّوْجَةِ وَالزَّوْجِ أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ وَلَدًا حَيًّا أَوْ مَيِّتًا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ لَكِنْ فِي الْمَشَاهِيرِ أَنَّ دَعْوَى الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَمْ يُتَصَوَّرْ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ وَلَا عِبْرَةَ لِإِنْكَارِهَا بَعْدَهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ لَمْ يَدَّعِ النَّسَبَ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ تَصْوِيرُهُمْ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَرِقٍ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ رِقُّهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ أَنَّهُ سَيِّدُهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ (وَنَسَبٍ) بِأَنْ ادَّعَى أَنَّ، هَذَا وَلَدُهُ أَوْ وَالِدُهُ أَوْ هُوَ يُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُ (وَوَلَاءٍ) سَوَاءٌ كَانَ وَلَاءُ الْعَتَاقَةِ أَوْ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ بِأَنْ يَدَّعِي أَحَدٌ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَالْمَجْهُولِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ مُعْتَقُهُ أَوْ مَوْلَاهُ فَلَا يَحْلِفُ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ جَعَلَهُ بَذْلًا وَإِبَاحَةً صِيَانَةً عَنْ الْكَذِبِ الْحَرَامِ وَالْبَذْلُ لَا يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأُمُورِ (وَعِنْدَهُمَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَحْلِفُ)؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى تَقْدِيرِ صِدْقِهِ فَإِذَا امْتَنَعَ عَلَيْهِ ظَهَرَ أَنَّهُ غَيْرُ صَادِقٍ فِي إنْكَارِهِ إذْ لَوْ كَانَ صَادِقًا لَأَقْدَمَ عَلَيْهِ وَلَمَا كَانَ النُّكُولُ إقْرَارًا فَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَيُسْتَحْلَفُ عَلَى صُورَةِ إنْكَارِ الْمُنْكِرِ لَا عَلَى دَعْوَى الْمُدَّعِي حَتَّى إنْ نَكَلَ يَقْضِي بِالنُّكُولِ (وَبِهِ) أَيْ بِقَوْلِ الْإِمَامَيْنِ (يُفْتَى) كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ الْبَزْدَوِيُّ مُعَلِّلًا بِعُمُومِ الْبَلْوَى.
وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ الْمُتَأَخِّرُونَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ إذَا كَانَ مُتَعَنِّتًا يَأْخُذُ الْقَاضِي بِقَوْلِهِمَا، وَإِنْ مَظْلُومًا بِقَوْلِهِ.
(وَلَا) يُسْتَحْلَفُ (فِي حَدٍّ) اتِّفَاقًا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَالشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ أَوْ غَالِبِ حَقِّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّ حَقَّ الْعَبْدِ فِيهِ مَغْلُوبٌ فَلَوْ ادَّعَى أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ قَذْفَهُ بِالزِّنَا فَأَنْكَرَهُ لَمْ يَحْلِفْ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ أَنَّهُ قَدْ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ دُونَ الزِّنَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَلْوَانِيُّ خِلَافًا لِلسَّرَخْسِيِّ (وَ) لَا فِي (لِعَانٍ) أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ إذَا ادَّعَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى زَوْجِهَا أَنَّهُ قَذَفَهَا قَذْفًا يُوجِبُ اللِّعَانَ وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ؛ لِأَنَّ اللِّعَانَ قَائِمٌ مَقَامَ حَدِّ الزِّنَا فِي جَانِبِ الزَّوْجِ فَلَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ مَعَ شُبْهَةٍ (وَالسَّارِقُ يَحْلِفُ) بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ إرَادَةِ أَخْذِ الْمَالِ وَيَقُولُ فِيهِ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك، هَذَا الْمَالَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْمُدَّعِي مَاذَا تُرِيدُ فَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْقَطْعَ يَقُولُ فِي جَوَابِهِ إنَّ الْحُدُودَ لَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا وَإِنْ قَالَ أُرِيدُ الْمَالَ يَقُولُ لَهُ دَعْ دَعْوَى السَّرِقَةِ وَادَّعِ الْمَالَ (فَإِنْ نَكَلَ) عَنْ الْحَلِفِ (ضَمِنَ) الْمَالَ (وَلَا يُقْطَعُ)؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ مَعَ شُبْهَةٍ فَيَعْمَلُ فِي الضَّمَانِ دُونَ الْقَطْعِ كَمَا إذَا شَهِدَ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عَلَى السَّرِقَةِ وَالْمَالِ تُقْبَلُ فِي الْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ.
(وَيَحْلِفُ الزَّوْجُ إنْ ادَّعَتْ) الزَّوْجَةُ (طَلَاقًا) بِلَا بَيِّنَةٍ لَهَا عَلَيْهِ (قَبْلَ الدُّخُولِ إجْمَاعًا)؛ لِأَنَّ مَقْصُودَهَا الْمَالُ وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ (فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ) الزَّوْجُ (نِصْفَ الْمَهْرِ) وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الطَّلَاقِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ الْمَهْرُ تَامًّا، وَيَبْقَى أَمْرُ الطَّلَاقِ الَّذِي يَلْزَمُ مِنْهُ نِصْفُ الْمَهْرِ مَسْتُورًا فَكَشْفُهُ أَوْلَى مَعَ أَنَّ لُزُومَ الْحَلِفِ فِي الطَّلَاقِ بَعْدَ الدُّخُولِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى فَإِنَّهُ إذَا اسْتَحْلَفَهُ قَبْلَ تَأَكُّدِ الْمَهْرِ فَبَعْدَهُ أَوْلَى (وَكَذَا) يَحْلِفُ (فِي النِّكَاحِ إنْ ادَّعَتْ) الْمَرْأَةُ (مَهْرَهَا) وَأَنْكَرَ الزَّوْجُ فَلَوْ نَكَلَ يَلْزَمُ الْمَهْرُ وَلَا يَثْبُتُ النِّكَاحُ عِنْدَ الْإِمَامِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ النَّفَقَةَ بِالنِّكَاحِ يُسْتَحْلَفُ فَإِنْ نَكَلَ يَلْزَمُ النَّفَقَةُ دُونَ النِّكَاحِ (وَفِي النَّسَبِ) أَيْ يَحْلِفُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ (إنْ ادَّعَى حَقًّا كَإِرْثٍ وَنَفَقَةٍ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخُوهُ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قَضَى بِالْمَالِ وَالنَّفَقَةِ لَا النَّسَبِ إنْ كَانَ النَّسَبُ نَسَبًا لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ وَإِنْ كَانَ سَبَبًا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ فَعَلَى الْخِلَافِ (وَغَيْرِهِمَا) كَالْحَجْرِ بِأَنْ كَانَ الصَّبِيُّ فِي يَدِ رَجُلٍ الْتَقَطَهُ، وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ حُرَّةُ الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِمَالِهَا مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَنَكَلَ ثَبَتَ حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَكَذَا الْعِتْقُ بِسَبَبِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ عَتَقَ؛ لِأَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ: لَهُ أَنَا أَخُوك فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى مَا يَدَّعِي بِالْإِجْمَاعِ (وَفِي الْقِصَاصِ) أَيْ يَحْلِفُ جَاحِدُ الْقَوَدِ فِي النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ بِالِاتِّفَاقِ (فَإِنْ نَكَلَ فِي) دَعْوَى (النَّفْسِ) لَمْ يُقْتَصَّ مِنْهُ بَلْ (حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ) فَيُقْتَصَّ مِنْهُ (أَوْ يَحْلِفَ) فَيُطْلَقَ عَنْ الْحَبْسِ وَإِلَّا يُحْبَسُ أَبَدًا.
(وَ) إنْ نَكَلَ (فِيمَا دُونَهَا) أَيْ النَّفْسِ (يُقْتَصُّ) مِنْهُ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكُ الْأَمْوَالِ وَلِهَذَا أُبِيحَ قَطْعُهَا لِلْحَاجَةِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْقَاطِعِ الضَّمَانُ إذَا قَطْعَهَا بِأَمْرِ صَاحِبِهَا بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّهُ لَوْ قَتَلَهُ بِأَمْرِهِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي رِوَايَةٍ وَالدِّيَةُ فِي أُخْرَى وَإِذَا سَلَكَ بِالْأَطْرَافِ مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ يَجْرِي فِيهِ الْبَذْلُ كَمَا يَجْرِي فِي الْأَمْوَالِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْمَكَارِمِ مِنْ أَنَّهُ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ لَزِمَ قَطْعُ يَدِ السَّارِقِ بِالنُّكُولِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لَيْسَ بِوَارِدٍ؛ لِأَنَّ قَوَدَ الطَّرَفِ حَقُّ الْعَبْدِ فَيَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّهُ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَهُوَ لَا يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا تَدَبَّرْ.
(وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ الْأَرْشَ فِيهِمَا) أَيْ فِي صُورَتَيْ دَعْوَى النَّفْسِ وَالْأَطْرَافِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إقْرَارٌ عِنْدَهُمَا لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْبَذْلِ فَيُمْتَنَعُ فِي الطَّرَفِ بِمَا فِيهِ شُبْهَةُ الْقِصَاصِ كَمَا فِي النَّفْسِ فَيَجِبُ الْمَالُ فِيهِمَا لِتَعَذُّرِ الْقِصَاصِ خُصُوصًا إذَا كَانَ امْتِنَاعُ الْقِصَاصِ لِمَعْنًى مِنْ جِهَةِ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْخَطَأِ وَالْوَلِيُّ يَدَّعِي الْعَمْدَ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يُقْتَصُّ فِيهِمَا بَعْدَ حَلِفِ الْمُدَّعِي عَلَى أَنَّهُ صَادِقٌ فِي دَعْوَاهُ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ مِنْ أُصُولِهِمْ (فَإِنْ قَالَ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ) فِي الْمِصْرِ (وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ لَا يَحْلِفُ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُضْمَرَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْتَحْلَفُ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ بِالْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ فَإِذَا طَالَبَهُ يُجِيبُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ ثُبُوتَ الْيَمِينِ مُرَتَّبٌ عَلَى الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا رَوَيْنَا فَلَا يَكُونُ حَقُّهُ دُونَهُ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي يُوسُفَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ وَمَعَ الْإِمَامِ فِيمَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى، هَذَا يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَذْكُرَ الْخِلَافَ تَدَبَّرْ.
قَيَّدَنَا بِالْمِصْرِ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ يَحْلِفُ بِالِاتِّفَاقِ.
وَفِي الْمُجْتَبَى وَقُدِّرَتْ الْغَيْبَةُ بِمَسِيرَةِ السَّفَرِ.
وَفِي الْمِنَحِ وَحُضُورُهَا فِي الْمِصْرِ، وَهُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ وَظَاهِرُ مَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ خِلَافُهُ فَإِنَّهُ قَالَ: الِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي الدَّعَاوَى الصَّحِيحَةِ إذَا أَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَيَقُولُ الْمُدَّعِي: لَا شُهُودَ لِي أَوْ شُهُودٌ لِي غُيَّبٌ أَوْ مَرْضَى.
وَفِي الْبَحْرِ ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِيصَالَ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَطَلَبَ يَمِينَهُ فَقَالَ الْمُدَّعِي اجْعَلْ حَقِّي فِي الْخَتْمِ ثُمَّ اسْتَحْلِفْنِي فَلَهُ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا (وَيَكْفُلُ) مِنْ التَّكْفِيلِ (بِنَفْسِهِ) أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ كَفِيلٌ بِنَفْسِهِ كَيْ لَا يَغِيبَ فَيُضَيِّعَ حَقَّهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَكْفُلَ قَبْلَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفًا ثِقَةً وَلَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ بِأَنْ يَكُونَ لَهُ دَارٌ وَحَانُوتٌ مِلْكًا لَهُ وَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ وَكِيلًا بِالْخُصُومَةِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيَقْضِي عَلَيْهِ وَصَحَّ أَنْ يَكُونَ كَفِيلًا وَوَكِيلًا وَإِنْ أَعْطَاهُ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لَيُحْضِرَهَا وَلَا يُغَيِّبُهُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَكْفُلُهُ وَلَوْ لَمْ يَطْلُبْهُ الْمُدَّعِي وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعِي جَاهِلًا بِالْخُصُومَةِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا فَلَا يَكْفُلُهُ الْقَاضِي بِلَا طَلَبِهِ (ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ)، هَذَا مَرْوِيٌّ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَصَحَّحَ فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ إلَى جُلُوسِ الْقَاضِي مَجْلِسًا آخَرَ وَقِيلَ يُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي، وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِرَأْيِ الْإِمَامِ وَلَا فَرْقَ فِي الظَّاهِرِ بَيْنَ الْوَجِيهِ وَالْحَقِيرِ وَكَذَا بَيْنَ الْقَلِيلِ مِنْ الْمَالِ وَالْكَثِيرِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْخَصْمَ إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُخْفِي نَفْسَهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَا يُجْبَرُ عَلَى إعْطَاءِ الْكَفِيلِ قَيَّدَ بِقَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ لِلتَّكْفِيلِ وَمَعْنَاهُ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي: لَا بَيِّنَةَ لِي أَوْ شُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ يَحْلِفُ فَإِذَا حَضَرَ بَعْدَمَا حَلَفَ نَقْبَلُ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي وَكَذَا لَوْ قَالَ الْمُدَّعِي لَا بَيِّنَةَ لِي وَطَلَبَ يَمِينَ خَصْمِهِ فَحَلَّفَهُ الْقَاضِي فَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ فَإِنَّ الْقَاضِي يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ وَقِيلَ لَا تُقْبَلُ.
وَفِي الْبَحْرِ ادَّعَى الْقَاتِلُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً حَاضِرَةً عَلَى الْعَفْوِ أُجِلَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ مَضَتْ وَلَمْ يَأْتِ بِالْبَيِّنَةِ وَقَالَ لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ يَقْضِي بِالْقِصَاصِ قِيَاسًا كَالْأَمْوَالِ.
وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يُؤَجِّلُ اسْتِعْظَامًا لِأَمْرِ الدَّمِ (فَإِنْ أَبَى) عَنْ إعْطَاءِ الْكَفِيلِ (لَازَمَهُ) مِقْدَارَ مُدَّةِ التَّكْفِيلِ (وَدَارَ مَعَهُ) أَيْ مَعَ الْغَرِيمِ (حَيْثُ دَارَ) تَفْسِيرُ الْمُلَازَمَةِ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الصُّغْرَى رَأَيْت فِي زِيَادَاتِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنَّ الطَّالِبَ لَوْ أَمَرَهُ غَيْرُهُ بِمُلَازَمَةِ مَدْيُونِهِ فَلِلْمَدْيُونِ أَنْ لَا يَرْضَى عِنْدَ الْإِمَامِ خِلَافًا لَهُمَا وَجَعَلَهُ فَرْعًا لِمَسْأَلَةِ التَّوْكِيلِ بِغَيْرِ رِضَى الْخَصْمِ لَكِنْ لَا يَحْبِسُهُ فِي مَوْضِعٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ حَبْسٌ، وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ بِنَفْسِ الدَّعْوَى وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ التَّصَرُّفِ بَلْ هُوَ يَتَصَرَّفُ وَالْمُدَّعِي يَدُورُ مَعَهُ وَإِذَا انْتَهَى الْمَطْلُوبُ إلَى دَارِهِ فَإِنَّ الطَّالِبَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الدُّخُولِ إلَى أَهْلِهِ بَلْ يَدْخُلُ الْمَطْلُوبُ إلَى أَهْلِهِ وَالْمُلَازِمُ عَلَى بَابِ دَارِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الْمَطْلُوبُ (غَرِيبًا يُكْفَلُ أَوْ يُلَازَمُ قَدْرَ مَجْلِسِ الْقَاضِي) إلَى أَنْ يَقُومَ مِنْ مَجْلِسِهِ؛ لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ إضْرَارًا بِهِ يَمْنَعُهُ عَنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي، هَذَا الْمِقْدَارِ ظَاهِرًا فَإِنْ بَرْهَنَ فِي الْمَجْلِسِ فَبِهَا وَإِلَّا يُحَلِّفُهُ إنْ شَاءَ أَوْ يَدَعُهُ (وَالْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى لَا بِطَلَاقٍ وَعَتَاقٍ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ (وَقِيلَ أَنَّ إلَخْ الْخَصْمَ صَحَّ) الْيَمِينُ (بِهِمَا) أَيْ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ (فِي زَمَانِنَا) لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنْ لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّهُ نَكَلَ عَمَّا هُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا حَتَّى لَوْ قَضَى لَا يَنْفُذُ وَإِنَّمَا أَتَى بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ مَشَايِخِنَا لَمْ يُجَوِّزُوهُ.
وَفِي الْبَحْرِ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ التَّحْلِيفِ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَهُ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ مَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ انْتَهَى.
(وَتُغَلَّظُ) الْيَمِينُ (بِذَكَرِ صِفَاتِهِ تَعَالَى) أَيْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِثْلَ قَوْلِهِ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ، هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك، هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ (إنْ شَاءَ الْقَاضِي)؛ لِأَنَّ أَحْوَالَ النَّاسِ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ عَنْ الْيَمِينِ بِالتَّغْلِيظِ وَيَتَجَاسَرُ عِنْدَ عَدَمِهِ فَتُغَلَّظُ عَلَيْهِ لَعَلَّهُ يَمْتَنِعُ بِذَلِكَ وَالِاخْتِيَارُ فِي صِفَةِ التَّغْلِيظ إلَى الْقَاضِي يَزِيدُ فِيهِ مَا شَاءَ وَيَنْقُصُ مَا شَاءَ إلَّا أَنَّهُ يَحْتَاطُ (وَيَحْتَرِزُ مِنْ التَّكْرَارِ) أَيْ يَحْتَرِزُ عَنْ عَطْفِ بَعْضِ الْأَسْمَاءِ عَلَى الْبَعْضِ وَإِلَّا لَتَعَدَّدَ الْيَمِينُ وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا وَلَوْ لَمْ تُغَلَّظْ جَازَ وَقِيلَ لَا تُغَلَّظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَقِيلَ تُغَلَّظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ دُونَ الْحَقِيرِ (لَا) تُغَلَّظُ (بِزَمَانٍ) عَلَى الْمُسْلِمِ بِأَنْ يُسْتَحْلَفَ فِي أَوَّلِ الْجُمُعَةِ أَوْ آخِرِهَا أَوْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَأْخِيرُ الْمُدَّعِي (أَوْ مَكَان) بِأَنْ يُسْتَحْلَفَ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهَا زَائِدَةٌ عَلَى النَّصِّ.
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ وَلَا يُسْتَحَبُّ تَغْلِيظُ الْيَمِينِ بِهِمَا انْتَهَى وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّهُ نَفْيُ الِاسْتِحْبَابِ وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْإِبَاحَةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ لَكِنْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَلَا يُشْرَعُ تَدَبَّرْ وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ أَنْ تُغَلَّظُ بِهِمَا أَيْضًا إنْ كَانَتْ الْيَمِينُ فِي قَسَامَةٍ وَلِعَانٍ وَمَالٍ عَظِيمٍ (وَيَحْلِفُ الْيَهُودِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَ) يَحْلِفُ (النَّصْرَانِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ) فَتُؤَكَّدُ الْيَمِينُ بِذِكْرِ الْمُنَزَّلِ عَلَى نَبِيِّهِمَا (وَ) يُحَلَّفُ (الْمَجُوسِيُّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ)؛ لِأَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ النَّارَ تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ فَتُؤَكَّدُ بِمَا يَعْتَقِدُونَهُ مُعَظَّمًا لِيُفِيدَ فَائِدَةَ الْيَمِينِ، وَقِيلَ إنَّ الْمَجُوسِيَّ حُلِّفَ بِاَللَّهِ لَا غَيْرَ كَمَا لَا يُسْتَحْلَفُ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ الشَّمْسَ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ النَّارِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى يُشْعِرُ تَعْظِيمَهَا وَمَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظَّمَ بِخِلَافِ الْكِتَابَيْنِ؛ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى مُعَظَّمَةٌ وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّهُ لَا يُسْتَحْلَفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا.
(وَ) يَحْلِفُ (الْوَثَنِيُّ بِاَللَّهِ) فَحَسْبُ إذْ يُقِرُّ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُهُ؛ لِأَنَّ الْكَفَرَةَ بِأَسْرِهِمْ يَعْتَقِدُونَ اللَّهَ تَعَالَى أَنَّهُ خَالِقُ الْعَالَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} هَكَذَا قَالُوا.
وَفِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ أَنَّ الدَّهْرِيَّةَ مِنْهُمْ لَا يَعْتَقِدُونَهُ وَلَا دَلَالَةَ فِي الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَ؛ لِأَنَّ الْوَثَنِيَّ يَعْبُدُ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَيَعْتَقِدُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُهُ انْتَهَى.
لَكِنْ يُمْكِنُ أَنَّ الدَّهْرِيَّ هُوَ مَنْ يَقُولُ بِقَدَمِ الدَّهْرِ وَبِإِسْنَادِ الْحَوَادِثِ إلَيْهِ وَيَقُولُونَ: إنَّ مَبْدَأَ الْمُمْكِنَاتِ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا قِيلَ فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ اعْتِقَادِهِمْ اللَّهِ تَعَالَى وَعَدَمُ دَلَالَةِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ الدَّهْرِيَّةَ يَعْتَقِدُونَ الدَّهْرَ الْقَدِيمَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَلَمْ يَلْزَمْ عَدَمُ اعْتِقَادِهِمْ تَأَمَّلْ.
(وَلَا يَحْلِفُونَ) أَيْ الْكُفَّارُ (فِي مَعَابِدِهِمْ)؛ لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمًا لَهَا وَالْقَاضِي مَمْنُوعٌ عَنْ أَنْ يَحْضُرَهَا وَكَذَا أَمِينُهُ؛ لِأَنَّهَا مَجْمَعُ الشَّيَاطِينِ لَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ حَقُّ الدُّخُولِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَقَدْ أَفْتَيْتُ بِتَعْزِيرِ مُسْلِمٍ لَازَمَ الْكَنِيسَةَ مَعَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى (وَيَحْلِفُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (عَلَى الْحَاصِلِ)، هَذَا نَوْعٌ آخَرُ مِنْ كَيْفِيَّةِ الْيَمِينِ وَهُوَ الْحَلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ وَالسَّبَبِ وَالضَّابِطُ فِي ذَلِكَ أَنَّ السَّبَبَ إمَّا إنْ كَانَ مِمَّا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَالتَّحْلِيفُ عَلَى السَّبَبِ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَإِنْ تَضَرَّرَ الْمُدَّعِي بِالتَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ وَعَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَيَأْتِي ثُمَّ شَرَعَ فِي تَفْصِيلِهِ فَقَالَ (فَفِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ): تَحْلِفُ (بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ) فِي الْحَالِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهُ (أَوْ نِكَاحٌ قَائِمٌ فِي الْحَالِ) إذَا ادَّعَتْ النَّفَقَةَ فَلَوْ ادَّعَتْ النِّكَاحَ كَانَ الْمِثَالُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا فِي التَّحْلِيفِ وَأَمَّا عِنْدَ الْإِمَامِ لَا يَحْلِفُ كَمَا مَرَّ (وَفِي الطَّلَاقِ) بِاَللَّهِ (مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآنَ) إذَا ادَّعَتْ الطَّلَاقَ الْبَائِنَ فَلَوْ ادَّعَتْ رَجْعِيًّا حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ لَكِنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَّ الْحَاصِلَ فِي الظَّاهِرِ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّ سَبَبَ الْحَاصِلِ كَمَا يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ فِعْلِ الْعَقْدِ يَتَحَقَّقُ فِي ضِمْنِ فِعْلٍ آخَرَ مِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ (وَفِي الْغَصْبِ) بِاَللَّهِ (مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ) أَيْ رَدُّ الْمَغْصُوبِ (وَفِي الْوَدِيعَةِ) بِاَللَّهِ (مَالَهُ، هَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ فِي يَدَك وَلَا شَيْءَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الَّذِي فِي يَدَك (وَلَا لَهُ قِبَلَك حَقٌّ) وَفِي الِاخْتِيَارِ وَيُحَلِّفُهُ فِي الدَّيْنِ بِاَللَّهِ مَالَهُ عَلَيْك مِنْ الدَّيْنِ وَالْقَرْضِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أَدَّى الْبَعْضَ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ فَلَا يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ عَلَى الْجَمِيعِ (لَا) يَحْلِفُ (عَلَى السَّبَبِ نَحْوُ) أَنْ يَقُولَ فِي الْبَيْعِ (بِاَللَّهِ مَا بِعْته ) لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ بَاعَ ثُمَّ أَقَالَ وَلَا يَحْلِفُ فِي النِّكَاحِ بِاَللَّهِ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُ نَكَحَهَا ثُمَّ خَالَعَهَا أَوْ أَبَانَهَا وَلَا يَحْلِفُ فِي الطَّلَاقِ بِاَللَّهِ مَا طَلَّقَهَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا ثُمَّ نَكَحَهَا وَلَا يَحْلِفُ فِي الْغَصْبِ بِاَللَّهِ مَا غَصَبْته لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ غَصَبَ ثُمَّ سَلَّمَ أَوْ مَلَكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْبَيْعِ وَلَا يَحْلِفُ فِي الْوَدِيعَةِ بِاَللَّهِ مَا أَوْدَعْتُك، هَذَا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ أُودَعهُ ثُمَّ رَدَّهُ أَوْ هَلَكَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ صُنْعِهِ وَفِي هَذِهِ الصُّوَرِ لَا يَحْلِفُ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ عَلَى السَّبَبِ فَلَوْ حَلَفَ يَتَضَرَّرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ مَثَلًا عَلَى نَفْيِ الْبَيْعِ يَكُونُ كَاذِبًا، وَلَوْ لَمْ يَحْلِفْ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْمَبِيعِ الْعَائِدِ إلَى مِلْكِهِ بِالْإِقَالَةِ، وَهَكَذَا فِي الْبَوَاقِي (خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ) فَإِنَّ عِنْدَهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُسْتَوْفَى لِحَقِّ الْمُدَّعِي فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْيَمِينُ مُوَافَقَةٌ لِدَعْوَاهُ وَالْمُدَّعِي هُوَ السَّبَبُ إلَّا عِنْدَ تَعْرِيضِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ قَالَ لِلْقَاضِي لَا تُحَلِّفْنِي فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَبِيعُ شَيْئًا ثُمَّ يُقِيلُهُ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُ الْقَاضِي عَلَى الْحَاصِلِ قِيلَ يَنْظُرُ إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ يَحْلِفُ عَلَى الْمُسَبَّبِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ.
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأَى الْحَاكِمِ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ (فَإِنْ كَانَ) وَالْأَنْسَبُ بِالْوَاوِ (فِي الْحَلِفِ عَلَى الْحَاصِلِ تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُدَّعِي حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ إجْمَاعًا) رِعَايَةً لِجَانِبِهِ (كَدَعْوَى الشُّفْعَةِ بِالْجِوَارِ وَنَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ، وَالْخَصْمُ لَا يَرَاهُمَا) أَيْ لَا يَرَى الشُّفْعَةَ بِالْجِوَارِ وَنَفَقَةَ الْمَبْتُوتَةِ بِأَنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت هَذِهِ الدَّارَ، وَمَا هِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْك إذْ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ لَا تَجِبُ الشُّفْعَةُ عَلَيْك وَبِاَللَّهِ لَا تَجِبُ عَلَيْكِ النَّفَقَةُ يُصَدَّقُ فِي يَمِينِهِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي لَا يُقَالُ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَدْ يَتَضَرَّرُ بِبُطْلَانِ الشُّفْعَةِ بِتَأْخِيرِ الطَّلَبِ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْقَاضِي مِنْ الْإِضْرَارِ بِأَحَدِهِمَا وَالْأَوْلَى بِالضَّرَرِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَمَسِّكٌ بِعَارِضِ السُّقُوطِ وَالْمُدَّعِي بِالْأَصْلِ حَيْثُ أَثْبَتَ حَقَّهُ بِالسَّبَبِ الْمُوجِبِ لَهُ مِنْ الشِّرَاءِ فَيَجِبُ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلِ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى الْعَارِضِ.
(وَكَذَا) يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ إجْمَاعًا (فِي سَبَبٍ لَا يَرْتَفِعُ) بِرَافِعٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ (كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدَّعِي الْعِتْقَ) أَيْ الْعِتْقَ الْوَاقِعَ فِي إسْلَامِهِ عَلَى مَوْلَاهُ، وَهُوَ يُنْكِرُهُ فَيَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ لِيُوَافِقَ الْيَمِينُ الدَّعْوَى وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ عَوْدُهُ إلَى الرِّقِّ؛ لِأَنَّهُ إذَا ارْتَدَّ يُقْتَلُ وَالْهَرَبُ إلَى دَارِ الْحَرْبِ نَادِرٌ إلَّا أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ.
وَفِي الِاخْتِيَارِ وَمِنْ الْأَفْعَالِ الْحِسِّيَّةِ أَنْ يَدَّعِيَ عَلَى غَيْرِهِ أَنَّهُ وَضَعَ عَلَى حَائِطِهِ خَشَبَةً أَوْ بَنَى عَلَيْهِ أَوْ أَجْرَى مِيزَابًا عَلَى سَطْحِهِ أَوْ فِي دَارِهِ أَوْ رَمَى تُرَابًا فِي أَرْضِهِ أَوْ شَقَّ فِي أَرْضِهِ نَهْرًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا فَعَلْت كَذَا؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَرْتَفِعُ (بِخِلَافِ) الْعَبْدِ (الْكَافِرِ وَالْأَمَةِ) فَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ حُرٌّ أَوْ مَا هِيَ حُرَّةٌ الْآنَ؛ لِأَنَّ الرِّقَّ يَتَكَرَّرُ عَلَى الْأَمَةِ بِالرِّدَّةِ وَاللَّحَاقِ وَالسَّبِيِّ وَعَلَى الْعَبْدِ الْكَافِرِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللَّحَاقِ وَالسَّبِيِّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَتَمَامُهُ فِي الذَّخِيرَةِ (وَمَنْ وَرِثَ شَيْئًا) مِنْ عَيْنٍ عَلِمَ ذَلِكَ بِعِلْمِ الْقَاضِي أَوْ إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَوْ بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (فَادَّعَاهُ آخَرُ) وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي وَأَرَادَ تَحْلِيفَ الْوَارِثِ (حَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ) أَيْ عِلْمِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ الْقَاضِي بِاَللَّهِ مَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ لَهُ لَا عَلَى الْبَتَاتِ؛ لِأَنَّ الْوَارِثَ لَا يَعْلَمُ بِمَا صَنَعَهُ الْمُوَرِّثُ وَفِيهِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ وَارِثُ الدَّيْنِ قَبْلَ وُصُولِهِ إلَيْهِ خِلَافًا لِلْخَصَّافِ وَالْأَوَّلُ الْمُخْتَارُ عِنْدَ الْفَقِيهِ وَقَاضِي خَانْ وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَقَّقْ كَوْنُهُ مِيرَاثًا حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهِ مِنْ كَوْنِ الْعَيْنِ فِي يَدِهِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
(وَإِنْ شَرَاهُ أَوْ وُهِبَ لَهُ فَعَلَى الْبَتَاتِ) أَيْ يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ عَبْدُهُ وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ يَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْبَتَاتُ الْقَطْعُ وَالتَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ نَفْيٌ أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ إذَا كَانَ شَيْئًا يَتَّصِلُ بِالْحَالِفِ كَمَا إذَا ادَّعَى سَرِقَةَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ يَحْلِفُ الْبَائِعُ عَلَى الْبَتَاتِ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ أَوْ مَا سَرَقَ فِي يَدِي وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا صَحَّ؛ لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ سَالِمًا عَنْ الْعُيُوبِ وَاجِبٌ عَلَى الْبَائِعِ فَالتَّحْلِيفِ يَرْجِعُ عَلَى مَا ضَمِنَ الْبَائِعُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ وَإِذَا ادَّعَى سَبْقَ الشِّرَاءِ يَحْلِفُ خَصْمُهُ عَلَى الْعِلْمِ أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ كَمَا فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ.
(وَلَوْ افْتَدَى الْمُنْكِرُ يَمِينَهُ أَوْ صَالَحَ عَنْهَا) أَيْ عَنْ الْيَمِينِ (عَلَى شَيْءٍ صَحَّ) الِافْتِدَاءُ وَالصُّلْحُ إنْ رَضِيَ بِهِ الْخَصْمُ؛ لِأَنَّ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَعْطَى شَيْئًا لِمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ إذْ لَوْ حَلَفَ لِوُقُوعٍ عَلَى الْقِيلِ وَالْقَالِ إذْ النَّاسُ بَيْنَ التَّصْدِيقِ وَالتَّكْذِيبِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَإِذَا افْتَدَى صَانَ عِرْضَهُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ» بِمَعْنَى ادْفَعُوا وَامْتَنِعُوا (وَلَا يَحْلِفُ بَعْدَهُ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ حَقَّهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ مِنْهُ وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَبِيعَ الْيَمِينَ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ مَالًا فَلَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفُهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
وَفِي التَّنْوِيرِ وَلَوْ أَسْقَطَهُ أَيْ الْيَمِينَ قَصْدًا بِأَنْ قَالَ بَرِئْت مِنْ الْحَلِفِ أَوْ تَرَكْته عَلَيْهِ أَوْ وَهَبْته لَا يَصِحُّ وَلَهُ التَّحْلِيفُ.

.بَابُ التَّحَالُفِ في الدعوى:

لَمَّا ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الْوَاحِدِ ذَكَرَ حُكْمَ يَمِينِ الِاثْنَيْنِ إذْ الِاثْنَيْنِ بَعْدَ الْوَاحِدِ (وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ) بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْت بِأَلْفٍ وَقَالَ الْبَائِعُ بِعْت بِأَلْفَيْنِ مَثَلًا (أَوْ) فِي قَدْرِ (الْمَبِيعِ) بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت عَبْدًا وَقَالَ الْمُشْتَرِي عَبْدَيْنِ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ اخْتَلَفَا فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ فِي الْجِنْسِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى، هَذَا لَوْ حَذَفَ الْقَدْرَ لَكَانَ أَشْمَلَ (أَوْ فِيهِمَا) أَيْ فِي الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْت عَبْدًا بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ بِعْت عَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ (حَكَمَ لِمَنْ بَرْهَنَ) أَيْ يَحْكُمُ الْقَاضِي لِمَنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْجَانِبَ الْآخَرَ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى مِنْهَا إذْ هِيَ مُتَعَدِّيَةٌ حَتَّى تُوجِبَ الْقَضَاءَ فَلَا يُعَارِضُهَا مُجَرَّدُ الدَّعْوَى.
(وَإِنْ بَرْهَنَا) أَيْ أَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ بِمَا ادَّعَاهُ (فَلِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ) أَيْ يَحْكُمُ لِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّهُ خَالِصٌ عَنْ الْمُعَارِضِ أَمَّا إذَا كَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَحَدِهِمَا فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا فِيهِمَا فَحُجَّةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ الْأَكْثَرِ وَحُجَّةُ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ الْأَكْثَرِ أَوَّلًا فَيَحْكُمُ بِعَبْدَيْنِ لِلْمُشْتَرِي وَبِأَلْفَيْنِ لِلْبَائِعِ.
(وَإِنْ عَجَزَا) أَيْ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي (عَنْ) إقَامَةِ (الْبُرْهَانِ قِيلَ لَهُمَا إمَّا أَنْ يَرْضَى أَحَدُكُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ قَطْعُ الْمُنَازَعَةِ وَهَذَا وَجْهٌ فِي طَرِيقِ قَطْعِ الْمُنَازَعَةِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ (فَإِنْ لَمْ يَرْضَ) وَالْأَنْسَبُ بِالْوَاوِ (أَحَدُهُمَا بِدَعْوَى الْآخَرِ تَحَالَفَا) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْحَاكِمُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى صَاحِبِهِ فَإِنْ قَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ فَهُوَ قِيَاسِيٌّ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُنْكِرٌ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَاسْتِحْسَانِيٌّ فَقَطْ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَدَّعِي شَيْئًا؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ سَالِمٌ لَهُ بَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ فِي زِيَادَةِ الثَّمَنِ، وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُهُ فَيُكْتَفَى بِحَلِفِهِ لَكِنْ عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ، وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ بِعَيْنِهَا تَحَالَفَا وَتَرَادَّا كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ لَكِنْ مَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمُضْمَرَاتِ مِنْ أَنَّ التَّحَالُفَ يَصِحُّ قَبْلَ قَبْضِ الْبَيْعِ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُنْكِرُ وُجُوبَ تَسْلِيمِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَبِيعِ وَلَا يَصِحُّ بَعْدَ قَبْضِهِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ تَتَبَّعْ.
وَإِنَّمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ لَمْ يَرْضَ أَحَدُهُمَا وَلَمْ يَقُلْ وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا كَمَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ التَّحَالُفِ عَدَمُ رِضَى وَاحِدٍ لَا عَدَمُ رِضَى كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا لَا يَخْفَى كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ فَعَلَى، هَذَا مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْفَرَائِدِ مِنْ أَنَّهُ كَانَ الْمُنَاسِبُ وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا إلَى آخِرِهِ لَيْسَ بِوَارِدٍ تَدَبَّرْ.
(وَبُدِئَ) يَبْدَأُ الْقَاضِي (بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ لَوْ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ، هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ وَأَبَى يُوسُفَ آخِرًا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ أَقْوَاهُمَا إنْكَارًا؛ لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ بِالثَّمَنِ فَيَكُونُ هُوَ الْبَادِي بِالْإِنْكَارِ وَكَانَ أَبُو يُوسُفَ يَقُولُ: أَوَّلًا يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ يُقْرِعُ بَيْنَهُمَا، هَذَا إذَا كَانَ بَيْعُ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَإِنْ كَانَ بَيْعُ عَيْنٍ بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ فَالْقَاضِي مُخَيَّرٌ لِلِاسْتِوَاءِ.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (وَفِي الْمُقَايَضَةِ) أَيْ فِي بَيْعِ الْعَيْنِ بِالْعَيْنِ يَبْدَأُ الْقَاضِي (بِأَيِّهِمَا شَاءَ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ وَصِفَةُ الْيَمِينِ أَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ يَضُمُّ الْإِثْبَاتَ إلَى النَّفْيِ تَأْكِيدًا وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ وُضِعَتْ لِلنَّفْيِ كَالْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ.
(وَمَنْ نَكَلَ) مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (لَزِمَهُ دَعْوَى صَاحِبِهِ) بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّ النُّكُولَ إمَّا بَذْلٌ وَإِمَّا إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ فَبِتَقْوِيَةِ الْقَضَاءِ يَكُونُ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ.
(وَإِنْ حَلَفَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا) أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَا يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وَقِيلَ يَنْفَسِخُ وَالْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيَبْقَى بَيْعٌ مَجْهُولٌ فَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قِطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ أَوْ يُقَالُ إذَا لَمْ يَثْبُتْ الْبَدَلُ بَقِيَ بَيْعًا بِلَا بَدَلٍ وَهُوَ فَاسِدٌ وَلَا بُدَّ مِنْ الْفَسْخِ فِي فَاسِدِ الْبَيْعِ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ جَارِيَةً فَلِلْمُشْتَرِي وَطْؤُهَا وَلَوْ فَسَدَ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ وَقَيَّدَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسَخُهُ بِدُونِ طَلَبِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ فَسَخَاهُ انْفَسَخَ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَضَاءِ وَإِنْ فَسَخَ أَحَدُهُمَا لَا يَكْفِي كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَلَا تَحَالُفَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأَجَلِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الْأَجَلِ أَوْ فِي قَدْرِهِ خِلَافًا لَزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (شَرْطِ الْخِيَارِ) سَوَاءٌ كَانَ فِي وُجُودِهِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا الْبَيْعُ بِالْخِيَارِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ أَوْ فِي مُدَّتِهِ (أَوْ قَبَضَ بَعْضَ الثَّمَنِ) أَوْ كُلَّهُ أَيْ لَا تَحَالُفَ عِنْدَ اخْتِلَافِهِمَا بِأَنْ قَالَ الْمُشْتَرِي أَدَّيْت بَعْضَهُ أَوْ كُلَّهُ وَالْبَائِعُ يُنْكِرُهُ (وَحَلَفَ الْمُنْكِرُ) فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي أَدَاءِ الثَّمَنِ لَا فِي الثَّمَنِ كَمَا إذَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي أَدَاءِ جَمِيعِ الثَّمَنِ يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ فَحَسْبُ، بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ فِي جَرَيَانِ التَّحَالُفِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَرْجِعُ إلَى نَفْسِ الثَّمَنِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ دَيْنٌ، وَهُوَ يُعْرَفُ بِالْوَصْفِ وَلَا كَذَلِكَ الْأَجَلُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَصْفٍ (وَلَا) تَحَالُفَ لَوْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ (بَعْدَ هَلَاكِ) كُلِّ (الْمَبِيعِ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَلَكَ فِي يَدِ الْبَائِعِ تَحَالَفَا عَلَى الْقَائِمِ عِنْدَهُمْ (وَحَلَفَ الْمُشْتَرِي) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ عَلَى الصَّحِيحِ، هَذَا إذَا كَانَ الثَّمَنُ دَيْنًا وَأَمَّا إذَا كَانَ عَيْنًا يَتَحَالَفَانِ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ قَائِمٌ ثُمَّ يَرُدُّ مِثْلَ الْهَالِكِ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ، وَهَذَا إذَا هَلَكَ بَعْدَ الْقَبْضِ، وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَهُ وَكَانَ الثَّمَنُ مَقْبُوضًا يَتَحَالَفَانِ اتِّفَاقًا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَالشَّافِعِيِّ (يَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ) الْعَقْدُ (وَتَلْزَمُ الْقِيمَةُ) أَيْ قِيمَةُ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي حَقًّا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيَتَحَالَفَانِ وَلَهُمَا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ وَلَا يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ وَهَلَاكُهُ شَامِلٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِ الْمُشْتَرِي أَوْ زِيَادَتِهِ زِيَادَةً مُتَّصِلَةً مُتَوَلِّدَةً أَوْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ أَوْ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً فَإِنَّهُ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا وَيَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُ فَيُفْسَخُ عَلَى الْعَيْنِ فِي الْمُتَّصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ مِنْ الْأَصْلِ كَالسَّمْنِ وَعَلَى الْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ فِي مُتَّصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالصَّبْغِ وَعَلَى الْقِيمَةِ فِي الْمُنْفَصِلَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالثَّمَرِ وَأَمَّا فِي مُنْفَصِلَةٍ غَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْهُ كَالْكُسْبِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيُفْسَخُ عَلَى الْعَيْنِ بِالْإِجْمَاعِ.
(وَكَذَا الْخِلَافُ لَوْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ وَهُوَ) أَيْ الْمَبِيعُ (قَائِمٌ) يَعْنِي لَوْ تَغَيَّرَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ، وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ مَعَ الْعَيْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَا يَتَحَالَفَانِ عِنْدَهُمَا بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَتَحَالَفَانِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ، وَكَذَا لَوْ خَرَجَ الْمَبِيعُ عَنْ مِلْكِهِ.
(وَلَا) تَحَالُفَ (بَعْدَ هَلَاكِ بَعْضِهِ) أَيْ بَعْضِ الْمَبِيعِ بَعْدَ قَبْضِ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ كَعَبْدَيْنِ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: الثَّمَنُ أَلْفٌ وَقَالَ الْمُشْتَرِي: بَلْ خَمْسُمِائَةٍ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ الْقَبْضِ مَشْرُوطٌ بِقِيَامِ السِّلْعَةِ وَهِيَ اسْمٌ لِجَمِيعِ الْمَبِيعِ فَإِذَا هَلَكَ بَعْضُهُ فُقِدَ الشَّرْطُ بَلْ يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي لِإِنْكَارِهِ زِيَادَةَ الثَّمَنِ (إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ) أَيْ لَا يَأْخُذُ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا وَيَجْعَلُهُ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَالْعَقْدُ كَأَنَّهُ عَلَى الْقَائِمِ فَقَطْ فَيَكُونُ الثَّمَنُ كُلُّهُ بِمُقَابَلَةِ الْقَائِمِ فَيَتَحَالَفَانِ، وَهُوَ قَوْلُ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى قَوْلِهِ لَا تَحَالُفَ كَمَا هُوَ الظَّاهِرُ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اُخْتُلِفَ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا لَمْ يَتَحَالَفَا وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ عِنْدَ الْإِمَامِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ الْبَائِعُ أَنْ يَأْخُذَ حِصَّةَ الْحَيِّ وَلَا شَيْءَ لَهُ قَالَ أَبُو الْمَكَارِمِ وَمَعْنَى لَا شَيْءَ لَهُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ الْمَشَايِخِ أَنْ لَا يَأْخُذَ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ شَيْئًا أَصْلًا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي وَكَانَ غَرَضُهُمْ مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ صَرْفُ الِاسْتِثْنَاءِ إلَى قَوْلِهِ لَمْ يَتَحَالَفَا كَمَا هُوَ مُخْتَارُهُمْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَعَلَى قَوْلِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُ الْبَائِعُ مِنْ الزِّيَادَةِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا وَإِنَّمَا يَأْخُذُ عَنْ الْهَالِكِ بَعْدَمَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي فَالِاسْتِثْنَاءُ يَنْصَرِفُ إلَى قَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ إذَا أَخَذَ مَا أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي وَأَخَذَ الْحَيَّ فَقَدْ صَدَقَ الْمُشْتَرِي وَارْتَفَعَ الْخُصُومَةُ فَلَا يَحْلِفُ الْمُشْتَرِي وَلَا يَخْفَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ الْمَذْكُورَ فِي الْمَتْنِ لَا يَصْلُحُ لِهَذَا التَّفْسِيرِ إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَخْذَ الْبَائِعِ الْحَيَّ وَفِي تَقْدِيرِهِ تَعَسُّفٌ (وَعِنْدَهُمَا يَتَحَالَفَانِ، وَيَرُدُّ الْبَاقِيَ) أَيْ حَلَفَا لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِ التَّحَالُفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قِيلَ يَتَحَالَفَانِ عَلَى الْقَائِمِ لَا الْهَالِكِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ فِيهِ لَا فِي الثَّانِي، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ يَكُونُ صَادِقًا فِيهِ؛ لِأَنَّ مَنْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ بِأَلْفٍ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مَا اشْتَرَى أَحَدَهُمَا كَانَ صَادِقًا وَكَذَا الْبَائِعُ لَوْ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بِعْت الْقَائِمَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْمُشْتَرِي يَكُونُ صَادِقًا فِيهِ فَلَا يُفِيدُ التَّحَالُفُ بَلْ الْوَجْهُ أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ وَيَقُولُ أَوَّلًا بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَيْتهمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ فَإِنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْبَائِعِ وَإِنْ حَلَفَ يُحَلَّفْ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتهمَا بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِمَا الْمُشْتَرِي إنْ نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْمُشْتَرِي وَإِنْ حَلَفَ يَفْسَخَانِ الْعَقْدَ فِي الْقَائِمِ وَتَسْقُطُ حِصَّتُهُ مِنْ الثَّمَنِ وَتَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِصَّةُ الْهَالِكِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَى الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ الِانْفِسَاخِ، وَالْعَقْدُ لَمْ يَنْفَسِخْ فِي الْهَالِكِ عِنْدَهُ فَيَنْقَسِمُ الثَّمَنُ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي عَلَيْهِمَا عَلَى قَدْرِ قِيمَتِهِمَا يَوْمَ الْقَبْضِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِمَا، وَيُفْسَخُ فِيهِمَا وَيُرَدُّ الْقَائِمُ مَعَ قِيمَةِ الْهَالِكِ يَوْمَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ هَلَاكَ الْكُلِّ لَا يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُ عَلَى مَا مَرَّ فَهَلَاكُ الْبَعْضِ أَوْلَى (وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي) مَعَ يَمِينِهِ إذَا اخْتَلَفَا (فِي حِصَّةِ الْهَالِكِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَتَلْزَمُ قِيمَتُهُ) أَيْ الْهَالِكِ (عِنْدَ مُحَمَّدٍ) لِمَا مَرَّ.
(وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُمَا) أَيْ قِيمَةُ الْقَائِمِ وَالْهَالِكِ (فِي الِانْقِسَامِ) أَيْ انْقِسَامِ الثَّمَنِ عَلَيْهِمَا (يَوْمَ الْقَبْضِ) فَإِنْ اسْتَوَيَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ الثَّمَنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ اخْتَلَفَ الْقِيمَتَانِ يَوْمَ الْقَبْضِ تَسْقُطُ عَنْهُ حِصَّةُ الْقَائِمِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ وَتَلْزَمُهُ حِصَّةُ الْهَالِكِ بِقَدْرِ قِيمَتِهِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ فِيهِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قِيمَتُهُ يَوْمَ الْقَبْضِ خَمْسُمِائَةٍ وَقِيمَةُ الْقَائِمِ أَلْفٌ، وَقَالَ الْبَائِعُ: عَلَى عَكْسِهِ (فَالْقَوْلُ لِلْبَائِعِ) مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ بِدَعْوَاهُ يَسْتَبْقِي مَا كَانَ وَاجِبًا وَالْمُشْتَرِي بِدَعْوَاهُ يُسْقِطُ مَا كَانَ وَاجِبًا وَكَانَ الْبَائِعُ مُتَمَسِّكًا بِالْأَصْلِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ قَوْلِهِ.
(وَإِنْ بَرْهَنَا) عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ (فَبُرْهَانُهُ) أَيْ بُرْهَانُ الْبَائِعِ (أَوْلَى)؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ إثْبَاتًا ظَاهِرًا لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ فِي قِيمَةِ الْهَالِكِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْعَاقِدَانِ (فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ إقَالَةِ الْبَيْعِ) فَقَالَ الْمُشْتَرِي كَانَ الثَّمَنُ أَلْفًا وَقَالَ الْبَائِعُ خَمْسَمِائَةٍ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا (تَحَالَفَا وَعَادَ الْبَيْعُ) الْأَوَّلُ حَتَّى يَكُونَ حَقُّ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَحَقُّ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الْإِقَالَةِ فَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يَرُدَّ عَلَى صَاحِبِهِ شَيْئًا (إنْ لَمْ يَقْبِضْ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ) قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَتَحَالَفَا فِي إقَالَةِ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ ثَبَتَ بِالْبَيْعِ الْمُطْلَقِ بِالْحَدِيثِ وَالْإِقَالَةُ فَسْخٌ فِي حَقِّ الْعَاقِدَيْنِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ النَّصُّ وَأُجِيبَ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ ثَبَتَ قِيَاسًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مُدَّعٍ وَمُنْكِرٍ عَلَى مَا مَرَّ فَصَارَ التَّحَالُفُ مَعْقُولًا فَوَجَبَ الْقِيَاسُ عَلَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ كَمَا قِسْنَا الْإِجَارَةَ عَلَى الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ وَالْوَارِثُ عَلَى الْعَاقِدِ وَالْقِيمَةُ عَلَى الْعَيْنِ فِيمَا إذَا اسْتَهْلَكَهُ فِي يَدِ الْبَائِعِ غَيْرُ الْمُشْتَرِي وَلَا كَذَلِكَ بَعْدَ الْقَبْضِ فَإِنَّهُ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَعَنْ، هَذَا قَالَ.
(وَإِنْ قَبَضَهُ) أَيْ قَبَضَ الْبَائِعُ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَا (فَلَا تَحَالُفَ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ وَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ يَمِينِهِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ)؛ لِأَنَّهُ يَرَى النَّصَّ مَعْلُولًا بَعْدَ الْقَبْضِ أَيْضًا.
(وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَةِ السَّلَمِ) لَا يَتَحَالَفَانِ (فَالْقَوْلُ) مَعَ يَمِينِهِ لِلْمُسْلَمِ إلَيْهِ (فِيهِ) أَيْ فِي قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ اعْتِبَارًا لِسَائِرِ الدَّعَاوَى (وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ)؛ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي بَابِ السَّلَمِ لَا تَحْتَمِلُ النَّقْضَ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ فَلَا يَعُودُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ.
(وَلَوْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ (فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ) بِأَنْ قَالَ الْمُسْتَأْجِرُ دِرْهَمٌ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ دِرْهَمَانِ (أَوْ الْمَنْفَعَةِ) بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ شَهْرٌ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَانِ (أَوْ فِيهِمَا) أَيْ فِي قَدْرِ الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا بِأَنْ قَالَ الْمُؤَجِّرُ: آجِرَتُك الدَّارَ شَهْرًا بِدِرْهَمَيْنِ وَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ: اسْتَأْجَرْتهَا شَهْرَيْنِ بِدِرْهَمٍ (قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا) إذْ الْإِجَارَةُ مَقِيسَةٌ عَلَى الْبَيْعِ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ الْمُسْتَأْجَرَةَ فِي الْإِجَارَةِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي إيرَادِ الْعَقْدِ، وَكَذَا الْأَمْرُ فِي فَسْخِهَا فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ يَكُونُ قَائِمًا تَقْدِيرًا (وَبُدِئَ بِيَمِينِ الْمُسْتَأْجِرِ إنْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ) لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وُجُوبَ مَا يَدَّعِيهِ الْمُؤَجِّرُ مِنْ الزِّيَادَةِ.
(وَ) بُدِئَ (بِيَمِينِ الْمُؤَجِّرِ لَوْ) اخْتَلَفَا (فِي الْمَنْفَعَةِ) لِكَوْنِهِ مُنْكِرًا وُجُوبَ زِيَادَةِ الْمَنْفَعَةِ، وَفِيهِ إشْعَارٌ بِأَنَّهُ يُحَلِّفُ أَوَّلًا مَنْ يَدَّعِي أَوَّلًا إنْ اخْتَلَفَا فِيهِمَا وَإِنْ ادَّعَيَا مَعًا يُحَلِّفُ مِنْ شَاءَ وَإِنْ شَاءَ أَقْرَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبَيْعِ (وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ) كَمَا هُوَ مُقْتَضَى النُّكُولِ (وَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ قُبِلَ) بُرْهَانُهُ وَإِنْ بَرْهَنَا (فَحُجَّةُ الْمُسْتَأْجِرِ) أَوْلَى لَوْ اخْتَلَفَا (فِي الْمَنْفَعَةِ وَحُجَّةُ الْمُؤَجِّرِ) أَوْلَى لَوْ اخْتَلَفَا (فِي الْأُجْرَةِ) نَظَرًا إلَى إثْبَاتِ الزِّيَادَةِ وَتُقْبَلُ حُجَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي فَضْلٍ يَدَّعِيهِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا بِأَنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَنَّ مُدَّتَهَا شَهْرٌ بِعَشْرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ أَنَّ مُدَّتَهَا شَهْرَانِ بِخَمْسَةٍ فَيَقْضِي بِعَشْرَةٍ لِلْمُؤَجِّرِ وَشَهْرَيْنِ لِلْمُسْتَأْجِرِ.
(وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ لَا يَتَحَالَفَانِ) اتِّفَاقًا (وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ، هَذَا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يُقَاسُ الْإِجَارَةُ هُنَا عَلَيْهِ إذْ هَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بِالِاسْتِيفَاءِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عَلَى أَصْلِهِمَا بِخِلَافِ مَا فِي صُورَةِ الْمَقِيسِ حَيْثُ وُجِدَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَكَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ؛ لِأَنَّ الْهَلَاكَ إنَّمَا لَا يَمْنَعُ عِنْدَهُ فِي الْبَيْعِ لِمَا أَنَّ لَهُ قِيمَةً تَقُومُ مَقَامَهُ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهَا وَلَوْ جَرَى التَّحَالُفُ هُنَا، وَفُسِخَ الْعَقْدُ فَلَا قِيمَةَ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ بِنَفْسِهَا بَلْ بِالْعَقْدِ وَتَبَيَّنَ أَنْ لَا عَقْدَ، وَإِذَا امْتَنَعَ فَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ عَلَيْهِ.
(وَ) لَوْ اخْتَلَفَا (بَعْدَ اسْتِيفَاءِ الْبَعْضِ) أَيْ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ (يَتَحَالَفَانِ) فِيمَا بَقِيَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ (وَتُفْسَخُ) الْإِجَارَةُ (فِيمَا بَقِيَ) مِنْ الْمَنَافِعِ لِإِمْكَانِ الْفَسْخِ، وَهَذَا لَا يُنَافِي مَا مَرَّ أَنَّ هَلَاكَ بَعْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةً فَسَاعَةً عَلَى حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَكَانَ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ بِمَنْزِلَةِ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَمَعْقُودٍ عَلَيْهِ غَيْرِ مَقْبُوضٍ يَتَحَالَفَانِ فِي حَقِّهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ؛ لِأَنَّهُ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ مَعْقُودٌ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِي بَعْضِهِ بِالْهَلَاكِ تَعَذَّرَ فِي كُلِّهِ ضَرُورَةً (وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ) مَعَ الْيَمِينِ (فِيمَا مَضَى)؛ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ بِمَا يَدَّعِيهِ الْمُؤَجِّرُ مِنْ زِيَادَةِ الْأُجْرَةِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبُ (فِي قَدْرِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ) بَعْدَمَا اتَّفَقَا عَلَى عَقْدِ الْكِتَابَةِ (لَا يَتَحَالَفَانِ) عِنْدَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ التَّحَالُفَ فِي الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْحُقُوقِ الْمُلَازِمَةِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ عَلَى الْمُكَاتَبِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَرْفَعَهُ عَنْ نَفْسِهِ بِالْعَجْزِ فَلَمْ تَكُنْ فِي مَعْنَى الْبَيْع (وَالْقَوْلُ لِلْعَبْدِ) مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ أَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُبِلَتْ وَإِنْ أَقَامَاهَا فَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ لَكِنْ يَعْتِقُ بِأَدَاءِ قَدْرِ مَا بَرْهَنَ عَلَيْهِ وَلَا يَمْتَنِعُ وُجُوبُ بَدَلِ الْكِتَابَةِ بَعْدَ عِتْقِهِ كَمَا لَوْ كَاتَبَهُ عَلَى أَلْفٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَدَّى خَمْسَمِائَةٍ عَتَقَ وَكَمَا لَوْ اسْتَحَقَّ الْبَدَلَ بَعْدَ الْأَدَاءِ كَمَا فِي الْبَحْرِ (وَقَالَا) وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ (يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ) الْكِتَابَةُ لِاخْتِلَافِهِمَا فِي بَدَلِ عَقْدٍ يَقْبَلُ الْفَسْخَ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ.
(وَإِنْ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ) أَهْلِ (الْبَيْتِ) وَالْمُرَادُ بِالْمَتَاعِ هُنَا مَا يَنْتَفِعُ بِهِ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مِمَّا حَصَلَ مِنْهُ كَالْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّهُ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لِأَحَدٍ (فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لِلزَّوْجَةِ بِلَا خِلَافٍ مَعَ الْيَمِينِ (فِيمَا صَلَحَ لَهَا) أَيْ مَا يَخْتَصُّ بِالنِّسَاءِ عَادَةً كَالدِّرْعِ وَالْأَسْوِرَةِ وَالْخِمَارِ وَالْمُلَاءَةِ وَالْخَلْخَالِ وَالْحُلِيِّ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ مِمَّنْ يَبِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنِّسَاءِ فَالْقَوْلُ لَهُ لِتَعَارُضِ الظَّاهِرَيْنِ (وَلَهُ) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ الْيَمِينِ (فِيمَا صَلَحَ لَهُ) كَالْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْقَبَاءِ وَالسِّلَاحِ وَالْكُتُبِ وَنَحْوِهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهُ إلَّا إذَا كَانَتْ الزَّوْجَةُ صَانِعَةٌ أَوْ بَائِعَةٌ مَا يَصْلُحُ لَهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ اخْتَلَفَا فِي مَتَاعِ النِّسَاءِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ يَقْضِي لِلزَّوْجِ (أَوْ) فِيمَا صَلَحَ (لَهُمَا) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيمَا اخْتَصَّ بِهِمَا كَالْمَنْزِلِ وَالْفُرُشِ وَالرَّقِيقِ وَالْأَوَانِي وَالْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا فَإِنَّ الِاخْتِصَاصَ أَقْوَى مِنْ الْيَدِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ الْبَيْتَ لِلزَّوْجِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهَا بَيِّنَةٌ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَلَوْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ يَقْضِي بِبَيِّنَتِهَا؛ لِأَنَّهَا خَارِجَةٌ مَعْنًى أَطْلَقَ الزَّوْجَيْنِ فَشَمَلَ الْمُسْلِمَيْنِ وَالْمُسْلِمَ مَعَ الذِّمِّيَّةِ وَالْحَرْبِيَّ وَالْمَمْلُوكَيْنِ وَالْمُكَاتَبَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي وَالصَّغِيرَيْنِ إذَا كَانَ الصَّغِيرُ يُجَامِعُ وَشَمَلَ اخْتِلَافُهُمَا حَالَ بَقَاءِ النِّكَاحِ وَمَا بَعْدَ الْفُرْقَةِ وَمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ مِلْكًا لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا خَاصَّةً؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْيَدِ لَا لِلْمِلْكِ.
وَفِي الْقُنْيَةِ افْتَرَقَا وَفِي بَيْتِهَا جَارِيَةٌ نَقَلْتهَا مَعَ نَفْسِهَا وَاسْتَخْدَمَتْهَا سَنَةً وَالزَّوْجُ عَالِمٌ بِهِ سَاكِتٌ ثُمَّ ادَّعَاهَا فَالْقَوْلُ لَهُ؛ لِأَنَّ يَدَهُ كَانَتْ ثَابِتَةٌ وَلَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ انْتَهَى وَبِهِ عُلِمَ أَنَّ سُكُوتَ الزَّوْجِ عِنْدَ نَقْلِهَا مَا يَصْلُحُ لَهُمَا لَا يُبْطِلُ دَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَيَّدَ بِاخْتِلَافِ الزَّوْجَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ اخْتِلَافِ نِسَاءِ الزَّوْجِ دُونَهُ فَإِنَّ مَتَاعَ النِّسَاءِ بَيْنَهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ إنْ كُنَّ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَإِنْ كَانَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ فِي بَيْتٍ عَلَى حِدَةٍ فَمَا فِي بَيْتِ كُلِّ امْرَأَةٍ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا عَلَى مَا وَصَفْنَا وَلَا يَشْتَرِك بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ كَمَا فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ، هَذَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ (وَبَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا) أَيْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ ثُمَّ اخْتَلَفَ وَارِثُهُ مَعَ الْحَيِّ وَالْجَوَابُ فِي غَيْرِ الْمُحْتَمِلِ عَلَى مَا مَرَّ (الْقَوْلُ فِي الْمُحْتَمِلِ) أَيْ فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا (لِلْحَيِّ) مَعَ الْيَمِينِ أَيُّهُمَا كَانَ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمَيِّتِ فَبَقِيَتْ يَدُ الْحَيِّ بِلَا مُعَارِضٍ وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَذَلِكَ) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجِ فِيمَا صَلَحَ لَهُمَا (فِي الزَّائِدِ عَلَى جِهَازِ مِثْلِهَا وَفِي جِهَازِ مِثْلِهَا لَهَا) أَيْ الْقَوْلُ لِلزَّوْجَةِ إذَا كَانَتْ حَيَّةً (أَوْ لِوَرَثَتِهَا) بَعْدَ مَوْتِهَا أَيْ يَدْفَعُ فِي الْمُشْكِلِ إلَى الزَّوْجَةِ أَوْ إلَى وَارِثِهَا مَا يُجَهَّزُ بِهِ مِثْلُهَا وَالْبَاقِي لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ لِوَارِثِهِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الزَّوْجَةَ تَأْتِي بِالْجِهَازِ وَهَذَا أَقْوَى مِنْ ظَاهِرِ يَدِ الزَّوْجِ وَلِذَا يَأْخُذُ الْبَاقِيَ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لِظَاهِرِهِ وَالْحَيَاةُ وَالْمَوْتُ فِي الْمُشْكِلِ عِنْدَهُ سَوَاءٌ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لِلرَّجُلِ أَوْ لِوَرَثَتِهِ) أَيْ مَا كَانَ لِلرِّجَالِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا كَانَ لِلنِّسَاءِ فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ وَمَا يَكُونُ لَهُمَا فَهُوَ لِلرَّجُلِ إنْ كَانَ حَيًّا أَوْ لِوَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا لِقِيَامِ الْوَرَثَةِ مَقَامَ الْمُوَرِّثِ وَأَمَّا اخْتِلَافُهُمَا فِي غَيْرِ مَتَاعِ الْمَيِّتِ وَكَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُمَا كَالْأَجْنَبِيَّيْنِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا.
وَفِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَعَنْ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ أَنَّ الْمُشْكِلَ بَيْنَهُمَا وَعَنْهُمَا أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ كَذَلِكَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مَالِكٌ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: إنَّ الْمُشْكِلَ لِلزَّوْجِ حَيًّا وَلِوَرَثَتِهِ مَيِّتًا.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ لَهُ إلَّا مَا عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ الثِّيَابِ وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إنَّ الْمَتَاعَ لِصَاحِبِ الْمَيِّتِ إلَّا مَا عَلَى الرَّجُلِ مِنْ الثِّيَابِ فَهَذِهِ مُثَمَّنَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى أَوْ مَسْبَعَتُهُ انْتَهَى.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَبَ لَوْ ادَّعَى بَعْدَ مَوْتِ ابْنَتِهِ أَنَّ الْجِهَازَ كَانَ عَارِيَّةً لَهَا وَالزَّوْجُ أَنَّهَا كَانَ مِلْكًا فَقَالُوا لِلْأَبِ عَلَى الْمُخْتَارِ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ الْعُرْفُ بِدَفْعِ الْجِهَازِ مِلْكًا لَا عَارِيَّةً فَالْقَوْلُ لَهَا وَلِوَرَثَتِهَا مِنْ بَعْدِهَا وَلَوْ اخْتَلَفَ الْأَبُ وَابْنُهُ فِيمَا فِي الْبَيْتِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إذَا كَانَ الْأَبُ فِي عِيَالِ الِابْنِ فِي بَيْتِهِ فَالْمَتَاعُ كُلُّهُ لِلِابْنِ كَمَا لَوْ كَانَ الِابْنُ فِي بَيْتِ الْأَبِ وَعِيَالُهُ فَمَتَاعُ الْبَيْتِ لِلْأَبِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْمُؤَجِّرُ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُسْتَأْجِرِ مَعَ يَمِينِهِ، وَلَيْسَ لِلْمُؤَجِّرِ إلَّا مَا عَلَيْهِ مِنْ ثِيَابِ بَدَنِهِ وَلَوْ اخْتَلَفَ إسْكَافِيٌّ وَعَطَّارٌ فِي آلَاتِ الْأَسَاكِفَةِ وَآلَاتِ الْعَطَّارِينَ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمَا قَضَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى مَا يَصْلُحُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا) أَيْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ (مَمْلُوكًا) سَوَاءٌ كَانَ مَأْذُونًا أَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مَحْجُورًا (فَالْكُلُّ) أَيْ كُلُّ الْمَتَاعِ (لِلْحُرِّ فِي) حَالِ (الْحَيَاةِ)؛ لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى (وَلِلْحَيِّ) مِنْهُمَا (فِي الْمَوْتِ) أَيْ مَوْتِ أَحَدِهِمَا؛ لِأَنَّ يَدَ الْحَيِّ خَالِيَةٌ عَنْ الْمُعَارِضِ كَمَا فِي عَامَّةِ شُرُوحِ الْجَامِعِ وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ أَنَّهُ سَهْوٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لِلْحُرِّ مُطْلَقًا لَكِنْ اخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَوْلُ الْعَامَّةِ فَاقْتَفَى أَصْحَابُ الْمُتُونِ أَثَرَهُ، هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ)؛ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةً فِي الْخُصُومَاتِ حَتَّى لَوْ اخْتَصَمَا فِي شَيْءٍ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا يَقْضِي بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ مَا كَانَ مَحْجُورًا حَيْثُ يَقْضِي لِلْحُرِّ لَا لِلْعَبْدِ وَقَوْلُهُ الْكُلُّ مُشِيرٌ إلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي مُطْلَقِ الْمَتَاعِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي الْمُسْتَصْفَى لَكِنْ فِي الْحَقَائِقِ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا اخْتَلَفَا فِي الْأَمْتِعَةِ الْمُشْكِلَةِ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.
وَفِي التَّنْوِيرِ أُعْتِقَتْ الْأَمَةُ وَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَمَا فِي الْبَيْتِ قَبْلَ الْعِتْقِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ وَمَا بَعْدَ الْعِتْقِ قَبْلَ أَنْ تَخْتَارَ نَفْسَهَا فَهُوَ عَلَى مَا وَصَفْنَا فِي الطَّلَاقِ رَجُلٌ مَعْرُوفٌ بِالْفَقْرِ وَالْحَاجَةِ صَارَ بِيَدِهِ غُلَامٌ وَعَلَى عُنُقِهِ بَدْرَةٌ، وَذَلِكَ بِدَارِهِ فَادَّعَاهُ رَجُلٌ عُرِفَ بِالْيَسَارِ وَادَّعَاهُ صَاحِبُ الدَّارِ فَهُوَ لِلْمَعْرُوفِ بِالْيَسَارِ، وَكَذَا كَنَّاسٌ فِي مَنْزِلِ الرَّجُلِ وَعَلَى عُنُقِهِ قَطِيفَةٌ يَقُولُ هِيَ لِي وَادَّعَاهَا صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ رَجُلَانِ فِي سَفِينَةٍ بِهَا دَقِيقٌ فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ السَّفِينَةَ وَمَا فِيهَا وَأَحَدُهُمَا يُعْرَفُ بِبَيْعِ الدَّقِيقِ وَالْآخَرُ يُعْرَفُ بِأَنَّهُ مَلَّاحٌ فَالدَّقِيقُ لِلَّذِي يُعْرَفُ بِبَيْعِهِ وَالسَّفِينَةُ لِمَنْ يُعْرَفُ أَنَّهُ مَلَّاحٌ وَتَمَامُهُ فِي الْمِنَحِ فَلْيُطَالَعْ.